الأصحَاحُ الأَوَّلُ
1فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ
مِنْ مُلْكِ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا، ذَهَبَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ
بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَحَاصَرَهَا. 2وَسَلَّمَ الرَّبُّ
بِيَدِهِ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا مَعَ بَعْضِ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ،
فَجَاءَ بِهَا إِلَى أَرْضِ شِنْعَارَ إِلَى بَيْتِ إِلهِهِ، وَأَدْخَلَ الآنِيَةَ
إِلَى خِزَانَةِ بَيْتِ إِلهِهِ. 3وَأَمَرَ الْمَلِكُ أَشْفَنَزَ
رَئِيسَ خِصْيَانِهِ بِأَنْ يُحْضِرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنْ نَسْلِ
الْمُلْكِ وَمِنَ الشُّرَفَاءِ، 4فِتْيَانًا لاَ عَيْبَ فِيهِمْ،
حِسَانَ الْمَنْظَرِ، حَاذِقِينَ فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَعَارِفِينَ مَعْرِفَةً
وَذَوِي فَهْمٍ بِالْعِلْمِ، وَالَّذِينَ فِيهِمْ قُوَّةٌ عَلَى الْوُقُوفِ فِي
قَصْرِ الْمَلِكِ، فَيُعَلِّمُوهُمْ كِتَابَةَ الْكَلْدَانِيِّينَ وَلِسَانَهُمْ. 5وَعَيَّنَ
لَهُمُ الْمَلِكُ وَظِيفَةً كُلَّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ مِنْ أَطَايِبِ الْمَلِكِ
وَمِنْ خَمْرِ مَشْرُوبِهِ لِتَرْبِيَتِهِمْ ثَلاَثَ سِنِينَ، وَعِنْدَ
نِهَايَتِهَا يَقِفُونَ أَمَامَ الْمَلِكِ. 6وَكَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ
بَنِي يَهُوذَا: دَانِيآلُ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلُ وَعَزَرْيَا. 7فَجَعَلَ
لَهُمْ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ أَسْمَاءً، فَسَمَّى دَانِيآلَ «بَلْطَشَاصَّرَ»،
وَحَنَنْيَا «شَدْرَخَ»، وَمِيشَائِيلَ «مِيشَخَ»، وَعَزَرْيَا «عَبْدَنَغُوَ».
8أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ
فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ
مَشْرُوبِهِ، فَطَلَبَ مِنْ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ أَنْ لاَ يَتَنَجَّسَ. 9وَأَعْطَى
اللهُ دَانِيآلَ نِعْمَةً وَرَحْمَةً عِنْدَ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ. 10فَقَالَ
رَئِيسُ الْخِصْيَانِ لِدَانِيآلَ: «إِنِّي أَخَافُ سَيِّدِي الْمَلِكَ الَّذِي
عَيَّنَ طَعَامَكُمْ وَشَرَابَكُمْ. فَلِمَاذَا يَرَى وُجُوهَكُمْ أَهْزَلَ مِنَ
الْفِتْيَانِ الَّذِينَ مِنْ جِيلِكُمْ، فَتُدَيِّنُونَ رَأْسِي لِلْمَلِكِ؟». 11فَقَالَ
دَانِيآلُ لِرَئِيسِ السُّقَاةِ الَّذِي وَلاَّهُ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ عَلَى
دَانِيآلَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا: 12«جَرِّبْ
عَبِيدَكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. فَلْيُعْطُونَا الْقَطَانِيَّ لِنَأْكُلَ وَمَاءً
لِنَشْرَبَ. 13وَلْيَنْظُرُوا إِلَى مَنَاظِرِنَا أَمَامَكَ وَإِلَى
مَنَاظِرِ الْفِتْيَانِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ أَطَايِبِ الْمَلِكِ. ثُمَّ
اصْنَعْ بِعَبِيدِكَ كَمَا تَرَى». 14فَسَمِعَ لَهُمْ هذَا الْكَلاَمَ
وَجَرَّبَهُمْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. 15وَعِنْدَ نِهَايَةِ الْعَشَرَةِ
الأَيَّامِ ظَهَرَتْ مَنَاظِرُهُمْ أَحْسَنَ وَأَسْمَنَ لَحْمًا مِنْ كُلِّ
الْفِتْيَانِ الآكِلِينَ مِنْ أَطَايِبِ الْمَلِكِ. 16فَكَانَ رَئِيسُ
السُّقَاةِ يَرْفَعُ أَطَايِبَهُمْ وَخَمْرَ مَشْرُوبِهِمْ وَيُعْطِيهِمْ
قَطَانِيَّ.
17أَمَّا هؤُلاَءِ الْفِتْيَانُ
الأَرْبَعَةُ فَأَعْطَاهُمُ اللهُ مَعْرِفَةً وَعَقْلاً فِي كُلِّ كِتَابَةٍ
وَحِكْمَةٍ، وَكَانَ دَانِيآلُ فَهِيمًا بِكُلِّ الرُّؤَى وَالأَحْلاَمِ. 18وَعِنْدَ
نِهَايَةِ الأَيَّامِ الَّتِي قَالَ الْمَلِكُ أَنْ يُدْخِلُوهُمْ بَعْدَهَا،
أَتَى بِهِمْ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ إِلَى أَمَامِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، 19وَكَلَّمَهُمُ
الْمَلِكُ فَلَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ مِثْلُ دَانِيآلَ وَحَنَنْيَا
وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا. فَوَقَفُوا أَمَامَ الْمَلِكِ. 20وَفِي
كُلِّ أَمْرِ حِكْمَةِ فَهْمٍ الَّذِي سَأَلَهُمْ عَنْهُ الْمَلِكُ وَجَدَهُمْ
عَشَرَةَ أَضْعَافٍ فَوْقَ كُلِّ الْمَجُوسِ وَالسَّحَرَةِ الَّذِينَ فِي كُلِّ
مَمْلَكَتِهِ. 21وَكَانَ دَانِيآلُ إِلَى السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ
الْمَلِكِ.
الأصحَاحُ الثَّانِي
1وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ
مِنْ مُلْكِ نَبُوخَذْنَصَّرَ، حَلَمَ نَبُوخَذْنَصَّرُ أَحْلاَمًا، فَانْزَعَجَتْ
رُوحُهُ وَطَارَ عَنْهُ نَوْمُهُ. 2فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِأَنْ
يُسْتَدْعَى الْمَجُوسُ وَالسَّحَرَةُ وَالْعَرَّافُونَ وَالْكَلْدَانِيُّونَ
لِيُخْبِرُوا الْمَلِكَ بِأَحْلاَمِهِ. فَأَتَوْا وَوَقَفُوا أَمَامَ الْمَلِكِ. 3فَقَالَ
لَهُمُ الْمَلِكُ: «قَدْ حَلَمْتُ حُلْمًا وَانْزَعَجَتْ رُوحِي لِمَعْرِفَةِ
الْحُلْمِ». 4فَكَلَّمَ الْكَلْدَانِيُّونَ الْمَلِكَ
بِالأَرَامِيَّةِ: «عِشْ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ. أَخْبِرْ عَبِيدَكَ
بِالْحُلْمِ فَنُبَيِّنَ تَعْبِيرَهُ». 5فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ
لِلْكَلْدَانِيِّينَ: «قَدْ خَرَجَ مِنِّي الْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي
بِالْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ، تُصَيَّرُونَ إِرْبًا إِرْبًا وَتُجْعَلُ
بُيُوتُكُمْ مَزْبَلَةً. 6وَإِنْ بَيَّنْتُمُ الْحُلْمَ وَتَعْبِيرَهُ،
تَنَالُونَ مِنْ قِبَلِي هَدَايَا وَحَلاَوِينَ وَإِكْرَامًا عَظِيمًا.
فَبَيِّنُوا لِي الْحُلْمَ وَتَعْبِيرَهُ». 7فَأَجَابُوا ثَانِيَةً
وَقَالُوا: «لِيُخْبِرِ الْمَلِكُ عَبِيدَهُ بِالْحُلْمِ فَنُبَيِّنَ
تَعْبِيرَهُ». 8أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُ يَقِينًا
أَنَّكُمْ تَكْتَسِبُونَ وَقْتًا، إِذْ رَأَيْتُمْ أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ خَرَجَ
مِنِّي 9بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِالْحُلْمِ فَقَضَاؤُكُمْ
وَاحِدٌ. لأَنَّكُمْ قَدِ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَلاَمٍ كَذِبٍ وَفَاسِدٍ
لِتَتَكَلَّمُوا بِهِ قُدَّامِي إِلَى أَنْ يَتَحَوَّلَ الْوَقْتُ. فَأَخْبِرُونِي
بِالْحُلْمِ، فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ تُبَيِّنُونَ لِي تَعْبِيرَهُ». 10أَجَابَ
الْكَلْدَانِيُّونَ قُدَّامَ الْمَلِكِ وَقَالُوا: «لَيْسَ عَلَى الأَرْضِ
إِنْسَانٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبَيِّنَ أَمْرَ الْمَلِكِ. لِذلِكَ لَيْسَ مَلِكٌ
عَظِيمٌ ذُو سُلْطَانٍ سَأَلَ أَمْرًا مِثْلَ هذَا مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ سَاحِرٍ
أَوْ كَلْدَانِيٍّ. 11وَالأَمْرُ الَّذِي يَطْلُبُهُ الْمَلِكُ عَسِرٌ،
وَلَيْسَ آخَرُ يُبَيِّنُهُ قُدَّامَ الْمَلِكِ غَيْرَ الآلِهَةِ الَّذِينَ
لَيْسَتْ سُكْنَاهُمْ مَعَ الْبَشَرِ».
12لأَجْلِ ذلِكَ غَضِبَ
الْمَلِكُ وَاغْتَاظَ جِدًّا وَأَمَرَ بِإِبَادَةِ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ. 13فَخَرَجَ
الأَمْرُ، وَكَانَ الْحُكَمَاءُ يُقْتَلُونَ. فَطَلَبُوا دَانِيآلَ وَأَصْحَابَهُ
لِيَقْتُلُوهُمْ. 14حِينَئِذٍ أَجَابَ دَانِيآلُ بِحِكْمَةٍ وَعَقْل
لأَرْيُوخَ رَئِيسِ شُرَطِ الْمَلِكِ الَّذِي خَرَجَ لِيَقْتُلَ حُكَمَاءَ بَابِلَ،
أَجَابَ وَقَالَ لأَرْيُوخَ قَائِدِ الْمَلِكِ: 15«لِمَاذَا اشْتَدَّ
الأَمْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ؟» حِينَئِذٍ أَخْبَرَ أَرْيُوخُ دَانِيآلَ
بِالأَمْرِ. 16فَدَخَلَ دَانِيآلُ وَطَلَبَ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ
يُعْطِيَهُ وَقْتًا فَيُبَيِّنُ لِلْمَلِكِ التَّعْبِيرَ. 17حِينَئِذٍ
مَضَى دَانِيآلُ إِلَى بَيْتِهِ، وَأَعْلَمَ حَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا
أَصْحَابَهُ بِالأَمْرِ، 18لِيَطْلُبُوا الْمَرَاحِمَ مِنْ قِبَلِ
إِلهِ السَّمَاوَاتِ مِنْ جِهَةِ هذَا السِّرِّ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ دَانِيآلُ
وَأَصْحَابُهُ مَعَ سَائِرِ حُكَمَاءِ بَابِلَ.
19حِينَئِذٍ لِدَانِيآلَ كُشِفَ
السِّرُّ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ. فَبَارَكَ دَانِيآلُ إِلهَ السَّمَاوَاتِ. 20أَجَابَ
دَانِيآلُ وَقَالَ: «لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى
الأَبَدِ، لأَنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ. 21وَهُوَ يُغَيِّرُ
الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا. يُعْطِي
الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً، وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْمًا. 22هُوَ
يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ. يَعْلَمُ مَا هُوَ فِي الظُّلْمَةِ،
وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ النُّورُ. 23إِيَّاكَ يَا إِلهَ آبَائِي أَحْمَدُ،
وَأُسَبِّحُ الَّذِي أَعْطَانِي الْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَأَعْلَمَنِي الآنَ مَا
طَلَبْنَاهُ مِنْكَ، لأَنَّكَ أَعْلَمْتَنَا أَمْرَ الْمَلِكِ». 24فَمِنْ
أَجْلِ ذلِكَ دَخَلَ دَانِيآلُ إِلَى أَرْيُوخَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَلِكُ
لإِبَادَةِ حُكَمَاءِ بَابِلَ، مَضَى وَقَالَ لَهُ هكَذَا: «لاَ تُبِدْ حُكَمَاءَ
بَابِلَ. أَدْخِلْنِي إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ فَأُبَيِّنَ لِلْمَلِكِ
التَّعْبِيرَ».
25حِينَئِذٍ دَخَلَ أَرْيُوخُ
بِدَانِيآلَ إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ مُسْرِعًا وَقَالَ لَهُ هكَذَا: «قَدْ
وَجَدْتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِي يُعَرِّفُ الْمَلِكَ
بِالتَّعْبِيرِ». 26أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِدَانِيآلَ، الَّذِي
اسْمُهُ بَلْطَشَاصَّرُ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْتَ عَلَى أَنْ تُعَرِّفَنِي
بِالْحُلْمِ الَّذِي رَأَيْتُ، وَبِتَعْبِيرِهِ؟» 27أَجَابَ دَانِيآلُ
قُدَّامَ الْمَلِكِ وَقَالَ: «السِّرُّ الَّذِي طَلَبَهُ الْمَلِكُ لاَ تَقْدِرُ
الْحُكَمَاءُ وَلاَ السَّحَرَةُ وَلاَ الْمَجُوسُ وَلاَ الْمُنَجِّمُونَ عَلَى
أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلْمَلِكِ. 28لكِنْ يُوجَدُ إِلهٌ فِي
السَّمَاوَاتِ كَاشِفُ الأَسْرَارِ، وَقَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ نَبُوخَذْنَصَّرَ
مَا يَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ. حُلْمُكَ وَرُؤْيَا رَأْسِكَ عَلَى
فِرَاشِكَ هُوَ هذَا: 29أَنْتَ يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ أَفْكَارُكَ
عَلَى فِرَاشِكَ صَعِدَتْ إِلَى مَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ هذَا، وَكَاشِفُ
الأَسْرَارِ يُعَرِّفُكَ بِمَا يَكُونُ. 30أَمَّا أَنَا فَلَمْ
يُكْشَفْ لِي هذَا السِّرُّ لِحِكْمَةٍ فِيَّ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الأَحْيَاءِ،
وَلكِنْ لِكَيْ يُعَرَّفَ الْمَلِكُ بِالتَّعْبِيرِ، وَلِكَيْ تَعْلَمَ أَفْكَارَ
قَلْبِكَ.
31«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ
كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ
الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ. 32رَأْسُ
هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ.
بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. 33سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ.
قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. 34كُنْتَ
تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ
عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. 35فَانْسَحَقَ
حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا،
وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ
يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ
جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. 36هذَا هُوَ الْحُلْمُ.
فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ.
37«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ
مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّمَاوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَارًا
وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا. 38وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ
وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ
عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. 39وَبَعْدَكَ
تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ
نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. 40وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ
رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالْحَدِيدِ، لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ
شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هؤُلاَءِ. 41وَبِمَا
رَأَيْتَ الْقَدَمَيْنِ وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ
حَدِيدٍ، فَالْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فِيهَا قُوَّةُ
الْحَدِيدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّكَ رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ
الطِّينِ. 42وَأَصَابِعُ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ
مِنْ خَزَفٍ، فَبَعْضُ الْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيًّا وَالْبَعْضُ قَصِمًا. 43وَبِمَا
رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ
بِنَسْلِ النَّاسِ، وَلكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هذَا بِذَاكَ، كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ
لاَ يَخْتَلِطُ بِالْخَزَفِ. 44وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ،
يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ
يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ
تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ
حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ
وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا
سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ».
46حِينَئِذٍ خَرَّ
نَبُوخَذْنَصَّرُ عَلَى وَجْهِهِ وَسَجَدَ لِدَانِيآلَ، وَأَمَرَ بِأَنْ
يُقَدِّمُوا لَهُ تَقْدِمَةً وَرَوَائِحَ سُرُورٍ. 47فَأَجَابَ
الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ إِلهَكُمْ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ
الْمُلُوكِ وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ، إِذِ اسْتَطَعْتَ عَلَى كَشْفِ هذَا السِّرِّ».
48حِينَئِذٍ عَظَّمَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَأَعْطَاهُ عَطَايَا
كَثِيرَةً، وَسَلَّطَهُ عَلَى كُلِّ وِلاَيَةِ بَابِلَ وَجَعَلَهُ رَئِيسَ
الشِّحَنِ عَلَى جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. 49فَطَلَبَ دَانِيآلُ مِنَ
الْمَلِكِ، فَوَلَّى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ عَلَى أَعْمَالِ وِلاَيَةِ
بَابِلَ. أَمَّا دَانِيآلُ فَكَانَ فِي بَابِ الْمَلِكِ.
الأصحَاحُ الثَّالِثُ
1نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ
صَنَعَ تِمْثَالاً مِنْ ذَهَبٍ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتُّ
أَذْرُعٍ، وَنَصَبَهُ فِي بُقْعَةِ دُورَا فِي وِلاَيَةِ بَابِلَ. 2ثُمَّ
أَرْسَلَ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ لِيَجْمَعَ الْمَرَازِبَةَ وَالشِّحَنَ
وَالْوُلاَةَ وَالْقُضَاةَ وَالْخَزَنَةَ وَالْفُقَهَاءَ وَالْمُفْتِينَ وَكُلَّ
حُكَّامِ الْوِلاَيَاتِ، لِيَأْتُوا لِتَدْشِينِ التِّمْثَالِ الَّذِي نَصَبَهُ
نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ. 3حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ الْمَرَازِبَةُ
وَالشِّحَنُ وَالْوُلاَةُ وَالْقُضَاةُ وَالْخَزَنَةُ وَالْفُقَهَاءُ
وَالْمُفْتُونَ وَكُلُّ حُكَّامِ الْوِلاَيَاتِ لِتَدْشِينِ التِّمْثَالِ الَّذِي
نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ، وَوَقَفُوا أَمَامَ التِّمْثَالِ الَّذِي
نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ. 4وَنَادَى مُنَادٍ بِشِدَّةٍ: «قَدْ
أُمِرْتُمْ أَيُّهَا الشُّعُوبُ وَالأُمَمُ وَالأَلْسِنَةُ، 5عِنْدَمَا
تَسْمَعُونَ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ
وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ، أَنْ تَخِرُّوا وَتَسْجُدُوا
لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ. 6وَمَنْ
لاَ يَخِرُّ وَيَسْجُدُ، فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ يُلْقَى فِي وَسَطِ أَتُّونِ
نَارٍ مُتَّقِدَةٍ». 7لأَجْلِ ذلِكَ وَقْتَمَا سَمِعَ كُلُّ الشُّعُوبِ
صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ وَكُلِّ
أَنْوَاعِ الْعَزْفِ، خَرَّ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ
وَسَجَدُوا لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ.
8لأَجْلِ ذلِكَ تَقَدَّمَ
حِينَئِذٍ رِجَالٌ كَلْدَانِيُّونَ وَاشْتَكَوْا عَلَى الْيَهُودِ، 9أَجَابُوا
وَقَالُوا لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصَّرَ: «أَيُّهَا الْمَلِكُ، عِشْ إِلَى
الأَبَدِ! 10أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ قَدْ أَصْدَرْتَ أَمْرًا بِأَنَّ
كُلَّ إِنْسَانٍ يَسْمَعُ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ
وَالسِّنْطِيرِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ، يَخِرُّ وَيَسْجُدُ
لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ. 11وَمَنْ لاَ يَخِرُّ وَيَسْجُدُ فَإِنَّهُ
يُلْقَى فِي وَسَطِ أَتُّونِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ. 12يُوجَدُ رِجَالٌ
يَهُودٌ، الَّذِينَ وَكَّلْتَهُمْ عَلَى أَعْمَالِ وِلاَيَةِ بَابِلَ: شَدْرَخُ
وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ. هؤُلاَءِ الرِّجَالُ لَمْ يَجْعَلُوا لَكَ أَيُّهَا
الْمَلِكُ اعْتِبَارًا. آلِهَتُكَ لاَ يَعْبُدُونَ، وَلِتِمْثَالِ الذَّهَبِ
الَّذِي نَصَبْتَ لاَ يَسْجُدُونَ».
13حِينَئِذٍ أَمَرَ
نَبُوخَذْنَصَّرُ بِغَضَبٍ وَغَيْظٍ بِإِحْضَارِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ
وَعَبْدَنَغُوَ. فَأَتَوْا بِهؤُلاَءِ الرِّجَالِ قُدَّامَ الْمَلِكِ. 14فَأَجَابَ
نَبُوخَذْنَصَّرُ وَقَالَ لَهُمْ: «تَعَمُّدًا يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ
وَعَبْدَنَغُوَ لاَ تَعْبُدُونَ آلِهَتِي وَلاَ تَسْجُدُونَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ
الَّذِي نَصَبْتُ! 15فَإِنْ كُنْتُمُ الآنَ مُسْتَعِدِّينَ عِنْدَمَا
تَسْمَعُونَ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ
وَالْمِزْمَارِ وَكُلَّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ إِلَى أَنْ تَخِرُّوا وَتَسْجُدُوا
لِلتِّمْثَالِ الَّذِي عَمِلْتُهُ. وَإِنْ لَمْ تَسْجُدُوا فَفِي تِلْكَ
السَّاعَةِ تُلْقَوْنَ فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. وَمَنْ هُوَ
الإِلهُ الَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟». 16فَأَجَابَ شَدْرَخُ
وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ وَقَالُوا لِلمَلِكِ: «يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، لاَ
يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. 17هُوَذَا يُوجَدُ
إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ
النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. 18وَإِلاَّ
فَلِْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ
وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ».
19حِينَئِذٍ امْتَلأَ
نَبُوخَذْنَصَّرُ غَيْظًا وَتَغَيَّرَ مَنْظَرُ وَجْهِهِ عَلَى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ
وَعَبْدَنَغُوَ، فَأَجَابَ وَأَمَرَ بِأَنْ يَحْمُوا الأَتُونَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ
أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ مُعْتَادًا أَنْ يُحْمَى. 20وَأَمَرَ
جَبَابِرَةَ الْقُوَّةِ فِي جَيْشِهِ بِأَنْ يُوثِقُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ
وَعَبْدَنَغُوَ وَيُلْقُوهُمْ فِي أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. 21ثُمَّ
أُوثِقَ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ فِي سَرَاوِيلِهِمْ وَأَقْمِصَتِهِمْ
وَأَرْدِيَتِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَأُلْقُوا فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ
الْمُتَّقِدَةِ. 22وَمِنْ حَيْثُ إِنَّ كَلِمَةَ الْمَلِكِ شَدِيدَةٌ
وَالأَتُونَ قَدْ حَمِيَ جِدًّا، قَتَلَ لَهِيبُ النَّارِ الرِّجَالَ الَّذِينَ
رَفَعُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ. 23وَهؤُلاَءِ
الثَّلاَثَةُ الرِّجَالِ، شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ، سَقَطُوا مُوثَقِينَ
فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ.
24حِينَئِذٍ تَحَيَّرَ
نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ وَقَامَ مُسْرِعًا فَأَجَابَ وَقَالَ لِمُشِيرِيهِ:
«أَلَمْ نُلْقِ ثَلاَثَةَ رِجَال مُوثَقِينَ فِي وَسَطِ النَّارِ؟» فَأَجَابُوا
وَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «صَحِيحٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ». 25أَجَابَ
وَقَالَ: «هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي
وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ
الآلِهَةِ». 26ثُمَّ اقْتَرَبَ نَبُوخَذْنَصَّرُ إِلَى بَابِ أَتُّونِ
النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ وَأَجَابَ، فََقَالَ: «يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ
وَعَبْدَنَغُو، يَا عَبِيدَ اللهِ الْعَلِيِّ، اخْرُجُوا وَتَعَالَوْا». فَخَرَجَ
شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو مِنْ وَسَطِ النَّارِ. 27فَاجْتَمَعَتِ
الْمَرَازِبَةُ وَالشِّحَنُ وَالْوُلاَةُ وَمُشِيرُو الْمَلِكِ وَرَأَوْا هؤُلاَءِ
الرِّجَالَ الَّذِينَ لَمْ تَكُنْ لِلنَّارِ قُوَّةٌ عَلَى أَجْسَامِهِمْ،
وَشَعْرَةٌ مِنْ رُؤُوسِهِمْ لَمْ تَحْتَرِقْ، وَسَرَاوِيلُهُمْ لَمْ تَتَغَيَّرْ،
وَرَائِحَةُ النَّارِ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِمْ. 28فَأَجَابَ
نَبُوخَذْنَصَّرُ وَقَالَ: «تَبَارَكَ إِلهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ،
الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ
وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْلاَ يَعْبُدُوا
أَوْ يَسْجُدُوا لإِلهٍ غَيْرِ إِلهِهِمْ. 29فَمِنِّي قَدْ صَدَرَ
أَمْرٌ بِأَنَّ كُلَّ شَعْبٍ وَأُمَّةٍ وَلِسَانٍ يَتَكَلَّمُونَ بِالسُّوءِ عَلَى
إِلهِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، فَإِنَّهُمْ يُصَيَّرُونَ إِرْبًا
إِرْبًا، وَتُجْعَلُ بُيُوتُهُمْ مَزْبَلَةً، إِذْ لَيْسَ إِلهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ
أَنْ يُنَجِّيَ هكَذَا». 30حِينَئِذٍ قَدَّمَ الْمَلِكُ شَدْرَخَ
وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ فِي وِلاَيَةِ بَابِلَ.
الأصحَاحُ الرَّابعُ
1مِنْ نَبُوخَذْنَصَّرَ
الْمَلِكِ إِلَى كُلِّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ السَّاكِنِينَ فِي
الأَرْضِ كُلِّهَا: لِيَكْثُرْ سَلاَمُكُمْ. 2اَلآيَاتُ وَالْعَجَائِبُ
الَّتِي صَنَعَهَا مَعِي اللهُ الْعَلِيُّ، حَسُنَ عِنْدِي أَنْ أُخْبِرَ بِهَا. 3آيَاتُهُ
مَا أَعْظَمَهَا، وَعَجَائِبُهُ مَا أَقْوَاهَا! مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ
وَسُلْطَانُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.
4أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ قَدْ
كُنْتُ مُطْمَئِنًّا فِي بَيْتِي وَنَاضِرًا فِي قَصْرِي. 5رَأَيْتُ
حُلْمًا فَرَوَّعَنِي، وَالأَفْكَارُ عَلَى فِرَاشِي وَرُؤَى رَأْسِي
أَفْزَعَتْنِي. 6فَصَدَرَ مِنِّي أَمْرٌ بِإِحْضَارِ جَمِيعِ حُكَمَاءِ
بَابِلَ قُدَّامِي لِيُعَرِّفُونِي بِتَعْبِيرِ الْحُلْمِ. 7حِينَئِذٍ
حَضَرَ الْمَجُوسُ وَالسَّحَرَةُ وَالْكَلْدَانِيُّونَ وَالْمُنَجِّمُونَ،
وَقَصَصْتُ الْحُلْمَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُعَرِّفُونِي بِتَعْبِيرِهِ. 8أَخِيرًا
دَخَلَ قُدَّامِي دَانِيآلُ الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَّرُ كَاسْمِ إِلهِي، وَالَّذِي
فِيهِ رُوحُ الآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ، فَقَصَصْتُ الْحُلْمَ قُدَّامَهُ:
9«يَا بَلْطَشَاصَّرُ، كَبِيرُ
الْمَجُوسِ، مِنْ حَيْثُ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ فِيكَ رُوحَ الآلِهَةِ
الْقُدُّوسِينَ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ سِرٌّ، فَأَخْبِرْنِي بِرُؤَى حُلْمِي
الَّذِي رَأَيْتُهُ وَبِتَعْبِيرِهِ. 10فَرُؤَى رَأْسِي عَلَى فِرَاشِي
هِيَ: أَنِّي كُنْتُ أَرَى فَإِذَا بِشَجَرَةٍ فِي وَسَطِ الأَرْضِ وَطُولُهَا
عَظِيمٌ. 11فَكَبُرَتِ الشَّجَرَةُ وَقَوِيَتْ، فَبَلَغَ عُلُوُّهَا
إِلَى السَّمَاءِ وَمَنْظَرُهَا إِلَى أَقْصَى كُلِّ الأَرْضِ. 12أَوْرَاقُهَا
جَمِيلَةٌ وَثَمَرُهَا كَثِيرٌ وَفِيهَا طَعَامٌ لِلْجَمِيعِ، وَتَحْتَهَا
اسْتَظَلَّ حَيَوَانُ الْبَرِّ، وَفِي أَغْصَانِهَا سَكَنَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ،
وَطَعِمَ مِنْهَا كُلُّ الْبَشَرِ. 13كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى رَأْسِي
عَلَى فِرَاشِي وَإِذَا بِسَاهِرٍ وَقُدُّوسٍ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، 14فَصَرَخَ
بِشِدَّةٍ وَقَالَ هكَذَا: اقْطَعُوا الشَّجَرَةَ، وَاقْضِبُوا أَغْصَانَهَا،
وَانْثُرُوا أَوْرَاقَهَا، وَابْذُرُوا ثَمَرَهَا، لِيَهْرُبَ الْحَيَوَانُ مِنْ
تَحْتِهَا وَالطُّيُورُ مِنْ أَغْصَانِهَا. 15وَلكِنِ اتْرُكُوا سَاقَ
أَصْلِهَا فِي الأَرْضِ، وَبِقَيْدٍ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ فِي عُشْبِ الْحَقْلِ،
وَلْيَبْتَلَّ بِنَدَى السَّمَاءِ، وَلْيَكُنْ نَصِيبُهُ مَعَ الْحَيَوَانِ فِي
عُشْبِ الْحَقْلِ. 16لِيَتَغَيَّرْ قَلْبُهُ عَنِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَلِْيُعْطَ
قَلْبَ حَيَوَانٍ، وَلْتَمْضِ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ. 17هذَا
الأَمْرُ بِقَضَاءِ السَّاهِرِينَ، وَالْحُكْمُ بِكَلِمَةِ الْقُدُّوسِينَ، لِكَىْ
تَعْلَمَ الأَحْيَاءُ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ،
فَيُعْطِيهَا مَنْ يَشَاءُ، وَيُنَصِّبَ عَلَيْهَا أَدْنَى النَّاسِ. 18هذَا
الْحُلْمُ رَأَيْتُهُ أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرَ الْمَلِكَ. أَمَّا أَنْتَ يَا
بَلْطَشَاصَّرُ فَبَيِّنْ تَعْبِيرَهُ، لأَنَّ كُلَّ حُكَمَاءِ مَمْلَكَتِي لاَ
يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُعَرِّفُونِي بِالتَّعْبِيرِ. أَمَّا أَنْتَ فَتَسْتَطِيعُ،
لأَنَّ فِيكَ رُوحَ الآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ».
19حِينَئِذٍ تَحَيَّرَ
دَانِيآلُ الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَّرُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَأَفْزَعَتْهُ
أَفْكَارُهُ. أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ: «يَا بَلْطَشَاصَّرُ، لاَ يُفْزِعُكَ
الْحُلْمُ وَلاَ تَعْبِيرُهُ». فَأَجَابَ بَلْطَشَاصَّرُ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي،
الْحُلْمُ لِمُبْغِضِيكَ وَتَعْبِيرُهُ لأَعَادِيكَ. 20اَلشَّجَرَةُ
الَّتِي رَأَيْتَهَا، الَّتِي كَبُرَتْ وَقَوِيَتْ وَبَلَغَ عُلُوُّهَا إِلَى
السَّمَاءِ، وَمَنْظَرُهَا إِلَى كُلِّ الأَرْضِ، 21وَأَوْرَاقُهَا
جَمِيلَةٌ وَثَمَرُهَا كَثِيرٌ وَفِيهَا طَعَامٌ لِلْجَمِيعِ، وَتَحْتَهَا سَكَنَ
حَيَوَانُ الْبَرِّ، وَفِي أَغْصَانِهَا سَكَنَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ، 22إِنَّمَا
هِيَ أَنْتَ يَاأَيُّهَا الْمَلِكُ، الَّذِي كَبُرْتَ وَتَقَوَّيْتَ، وَعَظَمَتُكَ
قَدْ زَادَتْ وَبَلَغَتْ إِلَى السَّمَاءِ، وَسُلْطَانُكَ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ.
23وَحَيْثُ رَأَى الْمَلِكُ سَاهِرًا وَقُدُّوسًا نَزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ وَقَالَ: اقْطَعُوا الشَّجَرَةَ وَأَهْلِكُوهَا، وَلكِنِ اتْرُكُوا
سَاقَ أَصْلِهَا فِي الأَرْضِ، وَبِقَيْدٍ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ فِي عُشْبِ
الْحَقْلِ، وَلْيَبْتَلَّ بِنَدَى السَّمَاءِ، وَلْيَكُنْ نَصِيبُهُ مَعَ
حَيَوَانِ الْبَرِّ، حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ. 24فَهذَا
هُوَ التَّعْبِيرُ أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَهذَا هُوَ قَضَاءُ الْعَلِيِّ الَّذِي يَأْتِي
عَلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ: 25يَطْرُدُونَكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ،
وَتَكُونُ سُكْنَاكَ مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّ وَيُطْعِمُونَكَ الْعُشْبَ
كَالثِّيرَانِ، وَيَبُلُّونَكَ بِنَدَى السَّمَاءِ، فَتَمْضِي عَلَيْكَ سَبْعَةُ
أَزْمِنَةٍ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ
وَيُعْطِيهَا مَنْ يَشَاءُ. 26وَحَيْثُ أَمَرُوا بِتَرْكِ سَاقِ
أُصُولِ الشَّجَرَةِ، فَإِنَّ مَمْلَكَتَكَ تَثْبُتُ لَكَ عِنْدَمَا تَعْلَمُ
أَنَّ السَّمَاءَ سُلْطَانٌ. 27لِذلِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَلْتَكُنْ
مَشُورَتِي مَقْبُولَةً لَدَيْكَ، وَفَارِقْ خَطَايَاكَ بِالْبِرِّ وَآثَامَكَ
بِالرَّحْمَةِ لِلْمَسَاكِينِ، لَعَلَّهُ يُطَالُ اطْمِئْنَانُكَ».
28كُلُّ هذَا جَاءَ عَلَى
نَبُوخَذْنَصَّرَ الْمَلِكِ. 29عِنْدَ نِهَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ
شَهْرًا كَانَ يَتَمَشَّى عَلَى قَصْرِ مَمْلَكَةِ بَابِلَ. 30وَأَجَابَ
الْمَلِكُ فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَابِلَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي بَنَيْتُهَا
لِبَيْتِ الْمُلْكِ بِقُوَّةِ اقْتِدَارِي، وَلِجَلاَلِ مَجْدِي؟» 31وَالْكَلِمَةُ
بَعْدُ بِفَمِ الْمَلِكِ، وَقَعَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «لَكَ
يَقُولُونَ يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ: إِنَّ الْمُلْكَ قَدْ زَالَ عَنْكَ. 32وَيَطْرُدُونَكَ
مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَتَكُونُ سُكْنَاكَ مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّ،
وَيُطْعِمُونَكَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، فَتَمْضِي عَلَيْكَ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ
حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ وَأَنَّهُ
يُعْطِيهَا مَنْ يَشَاءُ».
33فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَمَّ
الأَمْرُ عَلَى نَبُوخَذْنَصَّرَ، فَطُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَأَكَلَ
الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، وَابْتَلَّ جِسْمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ حَتَّى طَالَ
شَعْرُهُ مِثْلَ النُّسُورِ، وَأَظْفَارُهُ مِثْلَ الطُّيُورِ. 34وَعِنْدَ
انْتِهَاءِ الأَيَّامِ، أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، رَفَعْتُ عَيْنَيَّ إِلَى
السَّمَاءِ، فَرَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي، وَبَارَكْتُ الْعَلِيَّ وَسَبَّحْتُ
وَحَمَدْتُ الْحَيَّ إِلَى الأَبَدِ، الَّذِي سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ،
وَمَلَكُوتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 35وَحُسِبَتْ جَمِيعُ سُكَّانِ
الأَرْضِ كَلاَ شَيْءَ، وَهُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ
وَسُكَّانِ الأَرْضِ، وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ:
«مَاذَا تَفْعَلُ؟». 36فِي ذلِكَ الْوَقْتِ رَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي،
وَعَادَ إِلَيَّ جَلاَلُ مَمْلَكَتِي وَمَجْدِي وَبَهَائِي، وَطَلَبَنِي
مُشِيرِيَّ وَعُظَمَائِي، وَتَثَبَّتُّ عَلَى مَمْلَكَتِي وَازْدَادَتْ لِي
عَظَمَةٌ كَثِيرَةٌ. 37فَالآنَ، أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، أُسَبِّحُ
وَأُعَظِّمُ وَأَحْمَدُ مَلِكَ السَّمَاءِ، الَّذِي كُلُّ أَعْمَالِهِ حَقٌّ
وَطُرُقِهِ عَدْلٌ، وَمَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ
يُذِلَّهُ.
الأصحَاحُ الْخَامِسُ
1بَيْلْشَاصَّرُ الْمَلِكُ صَنَعَ
وَلِيمَةً عَظِيمَةً لِعُظَمَائِهِ الأَلْفِ، وَشَرِبَ خَمْرًا قُدَّامَ الأَلْفِ.
2وَإِذْ كَانَ بَيْلْشَاصَّرُ يَذُوقُ الْخَمْرَ، أَمَرَ بِإِحْضَارِ
آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ أَبُوهُ
مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ، لِيَشْرَبَ بِهَا الْمَلِكُ
وَعُظَمَاؤُهُ وَزَوْجَاتُهُ وَسَرَارِيهِ. 3حِينَئِذٍ أَحْضَرُوا
آنِيَةَ الذَّهَبِ الَّتِي أُخْرِجَتْ مِنْ هَيْكَلِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي
أُورُشَلِيمَ، وَشَرِبَ بِهَا الْمَلِكُ وَعُظَمَاؤُهُ وَزَوْجَاتُهُ وَسَرَارِيهِ.
4كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيُسَبِّحُونَ آلِهَةَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ.
5فِي تِلْكَ السَّاعَةِ
ظَهَرَتْ أَصَابعُ يَدِ إِنْسَانٍ، وَكَتَبَتْ بِإِزَاءِ النِّبْرَاسِ عَلَى
مُكَلَّسِ حَائِطِ قَصْرِ الْمَلِكِ، وَالْمَلِكُ يَنْظُرُ طَرَفَ الْيَدِ
الْكَاتِبَةِ. 6حِينَئِذٍ تَغَيَّرَتْ هَيْئَةُ الْمَلِكِ
وَأَفْزَعَتْهُ أَفْكَارُهُ، وَانْحَلَّتْ خَرَزُ حَقْوَيْهِ، وَاصْطَكَّتْ
رُكْبَتَاهُ. 7فَصَرَخَ الْمَلِكُ بِشِدَّةٍ لإِدْخَالِ السَّحَرَةِ
وَالْكَلْدَانِيِّينَ وَالْمُنَجِّمِينَ، فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِحُكَمَاءِ
بَابِلَ: «أَيُّ رَجُل يَقْرَأُ هذِهِ الْكِتَابَةَ وَيُبَيِّنُ لِي تَفْسِيرَهَا
فَإِنَّهُ يُلَبَّسُ الأُرْجُوَانَ وَقِلاَدَةً مِنْ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهِ،
وَيَتَسَلَّطُ ثَالِثًا فِي الْمَمْلَكَةِ». 8ثُمَّ دَخَلَ كُلُّ
حُكَمَاءِ الْمَلِكِ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَقْرَأُوا الْكِتَابَةَ، وَلاَ
أَنْ يُعَرِّفُوا الْمَلِكَ بِتَفْسِيرِهَا. 9فَفَزَعَ الْمَلِكُ
بَيْلْشَاصَّرُ جِدًّا وَتَغَيَّرَتْ فِيهِ هَيْئَتُهُ، وَاضْطَرَبَ عُظَمَاؤُهُ. 10أَمَّا
الْمَلِكَةُ فَلِسَبَبِ كَلاَمِ الْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ دَخَلَتْ بَيْتَ
الْوَلِيمَةِ، فَأَجَابَتِ الْمَلِكَةُ وَقَالَتْ: «أَيُّهَا الْمَلِكُ، عِشْ
إِلَى الأَبَدِ! لاَ تُفَزِّعْكَ أَفْكَارُكَ وَلاَ تَتَغَيَّرُ هَيْئَتُكَ. 11يُوجَدُ
فِي مَمْلَكَتِكَ رَجُلٌ فِيهِ رُوحُ الآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ، وَفِي أَيَّامِ
أَبِيكَ وُجِدَتْ فِيهِ نَيِّرَةٌ وَفِطْنَةٌ وَحِكْمَةٌ كَحِكْمَةِ الآلِهَةِ،
وَالْمَلِكُ نَبُوخَذْنَصَّرُ أَبُوكَ جَعَلَهُ كَبِيرَ الْمَجُوسِ وَالسَّحَرَةِ
وَالْكَلْدَانِيِّينَ وَالْمُنَجِّمِينَ. أَبُوكَ الْمَلِكُ. 12مِنْ
حَيْثُ إِنَّ رُوحًا فَاضِلَةً وَمَعْرِفَةً وَفِطْنَةً وَتَعْبِيرَ الأَحْلاَمِ
وَتَبْيِينَ أَلْغَازٍ وَحَلَّ عُقَدٍ وُجِدَتْ فِي دَانِيآلَ هذَا، الَّذِي
سَمَّاهُ الْمَلِكُ بَلْطَشَاصَّرَ. فَلْيُدْعَ الآنَ دَانِيآلُ فَيُبَيِّنَ
التَّفْسِيرَ».
13حِينَئِذٍ أُدْخِلَ دَانِيآلُ
إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ. فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِدَانِيآلَ: «أَأَنْتَ
هُوَ دَانِيآلُ مِنْ بَنِي سَبْيِ يَهُوذَا، الَّذِي جَلَبَهُ أَبِي الْمَلِكُ
مِنْ يَهُوذَا؟ 14قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ أَنَّ فِيكَ رُوحَ الآلِهَةِ،
وَأَنَّ فِيكَ نَيِّرَةً وَفِطْنَةً وَحِكْمَةً فَاضِلَةً. 15وَالآنَ
أُدْخِلَ قُدَّامِي الْحُكَمَاءُ وَالسَّحَرَةُ لِيَقْرَأُوا هذِهِ الْكِتَابَةَ
وَيُعَرِّفُونِي بِتَفْسِيرِهَا، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُبَيِّنُوا تَفْسِيرَ
الْكَلاَمِ. 16وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ أَنْ
تُفَسِّرَ تَفْسِيرًا وَتَحُلَّ عُقَدًا. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ الآنَ أَنْ تَقْرَأَ
الْكِتَابَةَ وَتُعَرِّفَنِي بِتَفْسِيرِهَا فَتُلَبَّسُ الأُرْجُوانَ وَقِلاَدَةً
مِنْ ذَهَبٍ فِي عُنُقِكَ وَتَتَسَلَّطُ ثَالِثًا فِي الْمَمْلَكَةِ».
17فَأَجَابَ دَانِيآلُ وَقَالَ
قُدَّامَ الْمَلِكِ: «لِتَكُنْ عَطَايَاكَ لِنَفْسِكَ وَهَبْ هِبَاتِكَ لِغَيْرِي.
لكِنِّي أَقْرَأُ الْكِتَابَةَ لِلْمَلِكِ وَأُعَرِّفُهُ بِالتَّفْسِيرِ. 18أَنْتَ
أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَاللهُ الْعَلِيُّ أَعْطَى أَبَاكَ نَبُوخَذْنَصَّرَ
مَلَكُوتًا وَعَظَمَةً وَجَلاَلاً وَبَهَاءً. 19وَلِلْعَظَمَةِ الَّتِي
أَعْطَاهُ إِيَّاهَا كَانَتْ تَرْتَعِدُ وَتَفْزَعُ قُدَّامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ
وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. فَأَيًّا شَاءَ قَتَلَ، وَأَيًّا شَاءَ اسْتَحْيَا،
وَأَيًّا شَاءَ رَفَعَ، وَأَيًّا شَاءَ وَضَعَ. 20فَلَمَّا ارْتَفَعَ
قَلْبُهُ وَقَسَتْ رُوحُهُ تَجَبُّرًا، انْحَطَّ عَنْ كُرْسِيِّ مُلْكِهِ،
وَنَزَعُوا عَنْهُ جَلاَلَهُ، 21وَطُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ،
وَتَسَاوَى قَلْبُهُ بِالْحَيَوَانِ، وَكَانَتْ سُكْنَاهُ مَعَ الْحَمِيرِ الْوَحْشِيَّةِ،
فَأَطْعَمُوهُ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، وَابْتَلَّ جِسْمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ،
حَتَّى عَلِمَ أَنَّ اللهَ الْعَلِيَّ سُلْطَانٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ،
وَأَنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهَا مَنْ يَشَاءُ. 22وَأَنْتَ يَا
بَيْلْشَاصَّرُ ابْنَهُ لَمْ تَضَعْ قَلْبَكَ، مَعَ أَنَّكَ عَرَفْتَ كُلَّ هذَا، 23بَلْ
تَعَظَّمْتَ عَلَى رَبِّ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرُوا قُدَّامَكَ آنِيَةَ بَيْتِهِ،
وَأَنْتَ وَعُظَمَاؤُكَ وَزَوْجَاتُكَ وَسَرَارِيكَ شَرِبْتُمْ بِهَا الْخَمْرَ،
وَسَبَّحْتَ آلِهَةَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالنِّحَاسِ وَالْحَدِيدِ
وَالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ الَّتِي لاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَسْمَعُ وَلاَ تَعْرِفُ.
أَمَّا اللهُ الَّذِي بِيَدِهِ نَسَمَتُكَ، وَلَهُ كُلُّ طُرُقِكَ فَلَمْ
تُمَجِّدْهُ. 24حِينَئِذٍ أُرْسِلَ مِنْ قِبَلِهِ طَرَفُ الْيَدِ،
فَكُتِبَتْ هذِهِ الْكِتَابَةُ. 25وَهذِهِ هِيَ الْكِتَابَةُ الَّتِي
سُطِّرَتْ: مَنَا مَنَا تَقَيْلُ وَفَرْسِينُ. 26وَهذَا تَفْسِيرُ
الْكَلاَمِ: مَنَا، أَحْصَى اللهُ مَلَكُوتَكَ وَأَنْهَاهُ. 27تَقَيْلُ،
وُزِنْتَ بِالْمَوَازِينِ فَوُجِدْتَ نَاقِصًا. 28فَرْسِ، قُسِمَتْ
مَمْلَكَتُكَ وَأُعْطِيَتْ لِمَادِي وَفَارِسَ».
29حِينَئِذٍ أَمَرَ
بَيْلْشَاصَّرُ أَنْ يُلْبِسُوا دَانِيآلَ الأَرْجُوانَ وَقِلاَدَةً مِنْ ذَهَبٍ
فِي عُنُقِهِ، وَيُنَادُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَسَلِّطًا ثَالِثًا فِي
الْمَمْلَكَةِ. 30فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قُتِلَ بَيْلْشَاصَّرُ مَلِكُ
الْكَلْدَانِيِّينَ، 31فَأَخَذَ الْمَمْلَكَةَ دَارِيُّوسُ الْمَادِيُّ
وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً.
الأصحَاحُ السَّادِسُ
1حَسُنَ عِنْدَ دَارِيُّوسَ
أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى الْمَمْلَكَةِ مِئَةً وَعِشْرِينَ مَرْزُبَانًا يَكُونُونَ
عَلَى الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا. 2وَعَلَى هؤُلاَءِ ثَلاَثَةَ وُزَرَاءَ
أَحَدُهُمْ دَانِيآلُ، لِتُؤَدِّيَ الْمَرَازِبَةُ إِلَيْهِمِ الْحِسَابَ فَلاَ
تُصِيبَ الْمَلِكَ خَسَارَةٌ. 3فَفَاقَ دَانِيآلُ هذَا عَلَى
الْوُزَرَاءِ وَالْمَرَازِبَةِ، لأَنَّ فِيهِ رُوحًا فَاضِلَةً. وَفَكَّرَ
الْمَلِكُ فِي أَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَى الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا. 4ثُمَّ
إِنَّ الْوُزَرَاءَ وَالْمَرَازِبَةَ كَانُوا يَطْلُبُونَ عِلَّةً يَجِدُونَهَا
عَلَى دَانِيآلَ مِنْ جِهَةِ الْمَمْلَكَةِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَجِدُوا
عِلَّةً وَلاَ ذَنْبًا، لأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ خَطَأٌ
وَلاَ ذَنْبٌ. 5فَقَالَ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ: «لاَ نَجِدُ عَلَى
دَانِيآلَ هذَا عِلَّةً إِلاَّ أَنْ نَجِدَهَا مِنْ جِهَةِ شَرِيعَةِ إِلهِهِ». 6حِينَئِذٍ
اجْتَمَعَ هؤُلاَءِ الْوُزَرَاءُ وَالْمَرَازِبَةُ عِنْدَ الْمَلِكِ وَقَالُوا
لَهُ هكَذَا: «أَيُّهَا الْمَلِكُ دَارِيُوسُ، عِشْ إِلَى الأَبَدِ! 7إِنَّ
جَمِيعَ وُزَرَاءِ الْمَمْلَكَةِ وَالشِّحَنِ وَالْمَرَازِبَةِ وَالْمُشِيرِينَ
وَالْوُلاَةِ قَدْ تَشَاوَرُوا عَلَى أَنْ يَضَعُوا أَمْرًا مَلَكِيًّا وَيُشَدِّدُوا
نَهْيًا، بِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَطْلُبُ طِلْبَةً حَتَّى ثَلاَثِينَ يَوْمًا مِنْ
إِلهٍ أَوْ إِنْسَانٍ إِلاَّ مِنْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، يُطْرَحُ فِي جُبِّ
الأُسُودِ. 8فَثَبِّتِ الآنَ النَّهْيَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَأَمْضِ
الْكِتَابَةَ لِكَيْ لاَ تَتَغَيَّرَ كَشَرِيعَةِ مَادِي وَفَارِسَ الَّتِي لاَ
تُنْسَخُ». 9لأَجْلِ ذلِكَ أَمْضَى الْمَلِكُ دَارِيُوسُ الْكِتَابَةَ
وَالنَّهْيَ.
10فَلَمَّا عَلِمَ دَانِيآلُ
بِإِمْضَاءِ الْكِتَابَةِ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ، وَكُواهُ مَفْتُوحَةٌ فِي
عُلِّيَّتِهِ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ
فِي الْيَوْمِ، وَصَلَّى وَحَمَدَ قُدَّامَ إِلهِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ
ذلِكَ. 11فَاجْتَمَعَ حِينَئِذٍ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ فَوَجَدُوا
دَانِيآلَ يَطْلُبُ وَيَتَضَرَّعُ قُدَّامَ إِلهِهِ. 12فَتَقَدَّمُوا
وَتَكَلَّمُوا قُدَّامَ الْمَلِكِ فِي نَهْيِ الْمَلِكِ: «أَلَمْ تُمْضِ أَيُّهَا
الْمَلِكُ نَهْيًا بِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَطْلُبُ مِنْ إِلهٍ أَوْ إِنْسَانٍ
حَتَّى ثَلاَثِينَ يَوْمًا إِلاَّ مِنْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ يُطْرَحُ فِي جُبِّ
الأُسُودِ؟» فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ: «الأَمْرُ صَحِيحٌ كَشَرِيعَةِ مَادِي
وَفَارِسَ الَّتِي لاَ تُنْسَخُ». 13حِينَئِذٍ أَجَابُوا وَقَالُوا
قُدَّامَ الْمَلِكِ: «إِنَّ دَانِيآلَ الَّذِي مِنْ بَنِي سَبْيِ يَهُوذَا لَمْ
يَجْعَلْ لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ اعْتِبَارًا وَلاَ لِلنَّهْيِ الَّذِي
أَمْضَيْتَهُ، بَلْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ يَطْلُبُ طِلْبَتَهُ». 14فَلَمَّا
سَمِعَ الْمَلِكُ هذَا الْكَلاَمَ اغْتَاظَ عَلَى نَفْسِهِ جِدًّا، وَجَعَلَ
قَلْبَهُ عَلَى دَانِيآلَ لِيُنَجِّيَهُ، وَاجْتَهَدَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ
لِيُنْقِذَهُ. 15فَاجْتَمَعَ أُولئِكَ الرِّجَالُ إِلَى الْمَلِكِ
وَقَالُوا لِلْمَلِكُ: «اعْلَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّ شَرِيعَةَ مَادِي
وَفَارِسَ هِيَ أَنَّ كُلَّ نَهْيٍ أَوْ أَمْرٍ يَضَعُهُ الْمَلِكُ لاَ
يَتَغَيَّرُ». 16حِينَئِذٍ أَمَرَ الْمَلِكُ فَأَحْضَرُوا دَانِيآلَ
وَطَرَحُوهُ فِي جُبِّ الأُسُودِ. أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِدَانِيآلَ: «إِنَّ
إِلهَكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِمًا هُوَ يُنَجِّيكَ». 17وَأُتِيَ
بِحَجَرٍ وَوُضِعَ عَلَى فَمِ الْجُبِّ وَخَتَمَهُ الْمَلِكُ بِخَاتِمِهِ
وَخَاتِمِ عُظَمَائِهِ، لِئَلاَّ يَتَغَيَّرَ الْقَصْدُ فِي دَانِيآلَ.
18حِينَئِذٍ مَضَى الْمَلِكُ
إِلَى قَصْرِهِ وَبَاتَ صَائِمًا، وَلَمْ يُؤْتَ قُدَّامَهُ بِسَرَارِيهِ وَطَارَ
عَنْهُ نَوْمُهُ. 19ثُمَّ قَامَ الْمَلِكُ بَاكِرًا عِنْدَ الْفَجْرِ
وَذَهَبَ مُسْرِعًا إِلَى جُبِّ الأُسُودِ. 20فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى
الْجُبِّ نَادَى دَانِيآلَ بِصَوْتٍ أَسِيفٍ. أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ
لِدَانِيآلَ: «يَا دَانِيآلُ عَبْدَ اللهِ الْحَيِّ، هَلْ إِلهُكَ الَّذِي
تَعْبُدُهُ دَائِمًا قَدِرَ عَلَى أَنْ يُنَجِّيَكَ مِنَ الأُسُودِ؟» 21فَتَكَلَّمَ
دَانِيآلُ مَعَ الْمَلِكِ: «يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، عِشْ إِلَى الأَبَدِ! 22إِلهِي
أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِي، لأَنِّي
وُجِدْتُ بَرِيئًا قُدَّامَهُ، وَقُدَّامَكَ أَيْضًا أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَمْ
أَفْعَلْ ذَنْبًا». 23حِينَئِذٍ فَرِحَ الْمَلِكُ بِهِ، وَأَمَرَ
بِأَنْ يُصْعَدَ دَانِيآلُ مِنَ الْجُبِّ. فَأُصْعِدَ دَانِيآلُ مِنَ الْجُبِّ
وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ ضَرَرٌ، لأَنَّهُ آمَنَ بِإِلهِهِ. 24فَأَمَرَ
الْمَلِكُ فَأَحْضَرُوا أُولئِكَ الرِّجَالَ الَّذِينَ اشْتَكَوْا عَلَى دَانِيآلَ
وَطَرَحُوهُمْ فِي جُبِّ الأُسُودِ هُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. وَلَمْ
يَصِلُوا إِلَى أَسْفَلِ الْجُبِّ حَتَّى بَطَشَتْ بِهِمِ الأُسُودُ وَسَحَقَتْ
كُلَّ عِظَامِهِمْ.
25ثُمَّ كَتَبَ الْمَلِكُ
دَارِيُّوسُ إِلَى كُلِّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ السَّاكِنِينَ فِي
الأَرْضِ كُلِّهَا: «لِيَكْثُرْ سَلاَمُكُمْ. 26مِنْ قِبَلِي صَدَرَ
أَمْرٌ بِأَنَّهُ فِي كُلِّ سُلْطَانِ مَمْلَكَتِي يَرْتَعِدُونَ وَيَخَافُونَ
قُدَّامَ إِلهِ دَانِيآلَ، لأَنَّهُ هُوَ الإِلهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إِلَى
الأَبَدِ، وَمَلَكُوتُهُ لَنْ يَزُولَ وَسُلْطَانُهُ إِلَى الْمُنْتَهَى. 27هُوَ
يُنَجِّي وَيُنْقِذُ وَيَعْمَلُ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي
الأَرْضِ. هُوَ الَّذِي نَجَّى دَانِيآلَ مِنْ يَدِ الأُسُودِ».
28فَنَجَحَ دَانِيآلُ هذَا فِي
مُلْكِ دَارِيُّوسَ وَفِي مُلْكِ كُورَشَ الْفَارِسِيِّ.
الأصحَاحُ السَّابعُ
1فِي السَّنَةِ الأُولَى
لِبَيْلْشَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، رَأَى دَانِيآلُ حُلْمًا وَرُؤَى رَأْسِهِ عَلَى
فِرَاشِهِ. حِينَئِذٍ كَتَبَ الْحُلْمَ وَأَخْبَرَ بِرَأْسِ الْكَلاَمِ. 2أَجَابَ
دَانِيآلُ وَقَالَ: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤْيَايَ لَيْلاً وَإِذَا بِأَرْبَعِ
رِيَاحِ السَّمَاءِ هَجَمَتْ عَلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ. 3وَصَعِدَ
مِنَ الْبَحْرِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ عَظِيمَةٍ، هذَا مُخَالِفٌ ذَاكَ. 4الأَوَّلُ
كَالأَسَدِ وَلَهُ جَنَاحَا نَسْرٍ. وَكُنْتُ أَنْظُرُ حَتَّى انْتَتَفَ
جَنَاحَاهُ وَانْتَصَبَ عَنِ الأَرْضِ، وَأُوقِفَ عَلَى رِجْلَيْنِ كَإِنْسَانٍ،
وَأُعْطِيَ قَلْبَ إِنْسَانٍ. 5وَإِذَا بِحَيَوَانٍ آخَرَ ثَانٍ
شَبِيهٍ بِالدُّبِّ، فَارْتَفَعَ عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ وَفِي فَمِهِ ثَلاَثُ
أَضْلُعٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، فَقَالُوا لَهُ هكَذَا: قُمْ كُلْ لَحْمًا كَثِيرًا.
6وَبَعْدَ هذَا كُنْتُ أَرَى وَإِذَا بِآخَرَ مِثْلِ النَّمِرِ وَلَهُ
عَلَى ظَهْرِهِ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةِ طَائِرٍ. وَكَانَ لِلْحَيَوَانِ أَرْبَعَةُ
رُؤُوسٍ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا. 7بَعْدَ هذَا كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى
اللَّيْلِ وَإِذَا بِحَيَوَانٍ رَابعٍ هَائِل وَقَوِيٍّ وَشَدِيدٍ جِدًّا، وَلَهُ
أَسْنَانٌ مِنْ حَدِيدٍ كَبِيرَةٌ. أَكَلَ وَسَحَقَ وَدَاسَ الْبَاقِيَ
بِرِجْلَيْهِ. وَكَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّ الْحَيَوَانَاتِ الَّذِينَ قَبْلَهُ،
وَلَهُ عَشَرَةُ قُرُونٍ. 8كُنْتُ مُتَأَمِّلاً بِالْقُرُونِ، وَإِذَا
بِقَرْنٍ آخَرَ صَغِيرٍ طَلَعَ بَيْنَهَا، وَقُلِعَتْ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْقُرُونِ
الأُولَى مِنْ قُدَّامِهِ، وَإِذَا بِعُيُونٍ كَعُيُونِ الإِنْسَانِ فِي هذَا
الْقَرْنِ، وَفَمٍ مُتَكَلِّمٍ بِعَظَائِمَ. 9كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ
وُضِعَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ
كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ،
وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ. 10نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ
قُدَّامِهِ. أُلُوفُ أُلُوفٍ تَخْدِمُهُ، وَرَبَوَاتُ رَبَوَاتٍ وُقُوفٌ
قُدَّامَهُ. فَجَلَسَ الدِّينُ، وَفُتِحَتِ الأَسْفَارُ. 11كُنْتُ
أَنْظُرُ حِينَئِذٍ مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْكَلِمَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي
تَكَلَّمَ بِهَا الْقَرْنُ. كُنْتُ أَرَى إِلَى أَنْ قُتِلَ الْحَيَوَانُ وَهَلَكَ
جِسْمُهُ وَدُفِعَ لِوَقِيدِ النَّارِ. 12أَمَّا بَاقِي
الْحَيَوَانَاتِ فَنُزِعَ عَنْهُمْ سُلْطَانُهُمْ، وَلكِنْ أُعْطُوا طُولَ حَيَاةٍ
إِلَى زَمَانٍ وَوَقْتٍ.
13«كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى
اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ
إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. 14فَأُعْطِيَ
سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ
وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ،
وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ.
15«أَمَّا أَنَا دَانِيآلَ
فَحَزِنَتْ رُوحِي فِي وَسَطِ جِسْمِي وَأَفْزَعَتْنِي رُؤَى رَأْسِي. 16فَاقْتَرَبْتُ
إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْوُقُوفِ وَطَلَبْتُ مِنْهُ الْحَقِيقَةَ فِي كُلِّ هذَا.
فَأَخْبَرَنِي وَعَرَّفَنِي تَفْسِيرَ الأُمُورِ: 17هؤُلاَءِ
الْحَيَوَانَاتُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي هِيَ أَرْبَعَةٌ هِيَ أَرْبَعَةُ مُلُوكٍ
يَقُومُونَ عَلَى الأَرْضِ. 18أَمَّا قِدِّيسُو الْعَلِيِّ
فَيَأْخُذُونَ الْمَمْلَكَةَ وَيَمْتَلِكُونَ الْمَمْلَكَةَ إِلَى الأَبَدِ
وَإِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. 19حِينَئِذٍ رُمْتُ الْحَقِيقَةَ مِنْ
جِهَةِ الْحَيَوَانِ الرَّابعِ الَّذِي كَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّهَا، وَهَائِلاً
جِدًّا وَأَسْنَانُهُ مِنْ حَدِيدٍ وَأَظْفَارُهُ مِنْ نُحَاسٍ، وَقَدْ أَكَلَ
وَسَحَقَ وَدَاسَ الْبَاقِيَ بِرِجْلَيْهِ، 20وَعَنِ الْقُرُونِ
الْعَشَرَةِ الَّتِي بِرَأْسِهِ، وَعَنِ الآخَرِ الَّذِي طَلَعَ فَسَقَطَتْ
قُدَّامَهُ ثَلاَثَةٌ. وَهذَا الْقَرْنُ لَهُ عُيُونٌ وَفَمٌ مُتَكَلِّمٌ
بِعَظَائِمَ وَمَنْظَرُهُ أَشَدُّ مِنْ رُفَقَائِهِ. 21وَكُنْتُ
أَنْظُرُ وَإِذَا هذَا الْقَرْنُ يُحَارِبُ الْقِدِّيسِينَ فَغَلَبَهُمْ، 22حَتَّى
جَاءَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ، وَأُعْطِيَ الدِّينُ لِقِدِّيسِيِ الْعَلِيِّ،
وَبَلَغَ الْوَقْتُ، فَامْتَلَكَ الْقِدِّيسُونَ الْمَمْلَكَةَ.
23«فَقَالَ هكَذَا: أَمَّا
الْحَيَوَانُ الْرَّابعُ فَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ عَلَى الأَرْضِ
مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْمَمَالِكِ، فَتَأْكُلُ الأَرْضَ كُلَّهَا وَتَدُوسُهَا
وَتَسْحَقُهَا. 24وَالْقُرُونُ الْعَشَرَةُ مِنْ هذِهِ الْمَمْلَكَةِ
هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ، وَيَقُومُ بَعْدَهُمْ آخَرُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ
الأَوَّلِينَ، وَيُذِلُّ ثَلاَثَةَ مُلُوكٍ. 25وَيَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ
ضِدَّ الْعَلِيِّ وَيُبْلِي قِدِّيسِي الْعَلِيِّ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُغَيِّرُ
الأَوْقَاتَ وَالسُّنَّةَ، وَيُسَلَّمُونَ لِيَدِهِ إِلَى زَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ
وَنِصْفِ زَمَانٍ. 26فَيَجْلِسُ الدِّينُ وَيَنْزِعُونَ عَنْهُ
سُلْطَانَهُ لِيَفْنَوْا وَيَبِيدُوا إِلَى الْمُنْتَهَى. 27وَالْمَمْلَكَةُ
وَالسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ الْمَمْلَكَةِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ تُعْطَى
لِشَعْبِ قِدِّيسِي الْعَلِيِّ. مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ، وَجَمِيعُ
السَّلاَطِينِ إِيَّاهُ يَعْبُدُونَ وَيُطِيعُونَ. 28إِلَى هُنَا
نِهَايَةُ الأَمْرِ. أَمَّا أَنَا دَانِيآلَ، فَأَفْكَارِي أَفْزَعَتْنِي
كَثِيرًا، وَتَغَيَّرَتْ عَلَيَّ هَيْئَتِي، وَحَفِظْتُ الأَمْرَ فِي قَلْبِي».
الأصحَاحُ الثَّامِنُ
1فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ
مِنْ مُلْكِ بَيْلْشَاصَّرَ الْمَلِكِ، ظَهَرَتْ لِي أَنَا دَانِيآلَ رُؤْيَا
بَعْدَ الَّتِي ظَهَرَتْ لِي فِي الابْتِدَاءِ. 2فَرَأَيْتُ فِي
الرُّؤْيَا، وَكَانَ فِي رُؤْيَايَ وَأَنا فِي شُوشَانَ الْقَصْرِ الَّذِي فِي
وِلاَيَةِ عِيلاَمَ، وَرَأَيْتُ فِي الرُؤيَا وَأَنَا عِنْدَ نَهْرِ أُولاَيَ. 3فَرَفَعْتُ
عَيْنَيَّ وَرَأَيْتُ وَإِذَا بِكَبْشٍ وَاقِفٍ عِنْدَ النَّهْرِ وَلَهُ قَرْنَانِ
وَالقَرْنَانِ عَالِيَانِ، وَالْوَاحِدُ أَعْلَى مِنَ الآخَرِ، وَالأَعْلَى
طَالِعٌ أَخِيرًا. 4رَأَيْتُ الْكَبْشَ يَنْطَحُ غَرْبًا وَشِمَالاً
وَجَنُوبًا فَلَمْ يَقِفْ حَيَوَانٌ قُدَّامَهُ وَلاَ مُنْقِذٌ مِنْ يَدِهِ،
وَفَعَلَ كَمَرْضَاتِهِ وَعَظُمَ. 5وَبَيْنَمَا كُنْتُ مُتَأَمِّلاً
إِذَا بِتَيْسٍ مِنَ الْمَعْزِ جَاءَ مِنَ الْمَغْرِبِ عَلَى وَجْهِ كُلِّ
الأَرْضِ وَلَمْ يَمَسَّ الأَرْضَ، وَلِلتَّيْسِ قَرْنٌ مُعْتَبَرٌ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ. 6وَجَاءَ إِلَى الْكَبْشِ صَاحِبِ الْقَرْنَيْنِ الَّذِي
رَأَيْتُهُ وَاقِفًا عِنْدَ النَّهْرِ وَرَكَضَ إِلَيْهِ بِشِدَّةِ قُوَّتِهِ. 7وَرَأَيْتُهُ
قَدْ وَصَلَ إِلَى جَانِبِ الْكَبْشِ، فَاسْتَشَاطَ عَلَيْهِ وَضَرَبَ الْكَبْشَ
وَكَسَرَ قَرْنَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ لِلْكَبْشِ قُوَّةٌ عَلَى الْوُقُوفِ
أَمَامَهُ، وَطَرَحَهُ عَلَى الأَرْضِ وَدَاسَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْكَبْشِ
مُنْقِذٌ مِنْ يَدِهِ. 8فتَعَظَّمَ تَيْسُ المَعْزِ جِدًّا. وَلَمَّا
اعْتَزَّ انْكَسَرَ الْقَرْنُ الْعَظِيمُ، وَطَلَعَ عِوَضًا عَنْهُ أَرْبَعَةُ
قُرُونٍ مُعْتَبَرَةٍ نَحْوَ رِيَاحِ السَّمَاءِ الأَرْبَعِ. 9وَمِنْ
وَاحِدٍ مِنْهَا خَرَجَ قَرْنٌ صَغِيرٌ، وَعَظُمَ جِدًّا نَحْوَ الْجَنُوبِ
وَنَحْوَ الشَّرْقِ وَنَحْوَ فَخْرِ الأَرَاضِي. 10وَتَعَظَّمَ حَتَّى
إِلَى جُنْدِ السَّمَاوَاتِ، وَطَرَحَ بَعْضًا مِنَ الْجُنْدِ وَالنُّجُومِ إِلَى
الأَرْضِ وَدَاسَهُمْ. 11وَحَتَّى إِلَى رَئِيسِ الْجُنْدِ تَعَظَّمَ،
وَبِهِ أُبْطِلَتِ الْمُحْرَقَةُ الدَّائِمَةُ، وَهُدِمَ مَسْكَنُ مَقْدِسِهِ. 12وَجُعِلَ
جُنْدٌ عَلَى الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَطَرَحَ الْحَقَّ
عَلَى الأَرْضِ وَفَعَلَ وَنَجَحَ. 13فَسَمِعْتُ قُدُّوسًا وَاحِدًا
يَتَكَلَّمُ. فَقَالَ قُدُّوسٌ وَاحِدٌ لِفُلاَنٍ الْمُتَكَلِّمِ: «إِلَى مَتَى
الرُّؤْيَا مِنْ جِهَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَمَعْصِيَةِ الْخَرَابِ،
لِبَذْلِ الْقُدْسِ وَالْجُنْدِ مَدُوسَيْنِ؟» 14فَقَالَ لِي: «إِلَى
أَلْفَيْنِ وَثَلاَثِ مِئَةِ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، فَيَتَبَرَّأُ الْقُدْسُ».
15وَكَانَ لَمَّا رَأَيْتُ
أَنَا دَانِيآلَ الرُّؤْيَا وَطَلَبْتُ الْمَعْنَى، إِذَا بِشِبْهِ إِنْسَانٍ
وَاقِفٍ قُبَالَتِي. 16وَسَمِعْتُ صَوْتَ إِنْسَانٍ بَيْنَ أُولاَيَ،
فَنَادَى وَقَالَ: «يَا جِبْرَائِيلُ، فَهِّمْ هذَا الرَّجُلَ الرُّؤْيَا». 17فَجَاءَ
إِلَى حَيْثُ وَقَفْتُ، وَلَمَّا جَاءَ خِفْتُ وَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي. فَقَالَ
لِي: «افْهَمْ يَا ابْنَ آدَمَ. إِنَّ الرُّؤْيَا لِوَقْتِ الْمُنْتَهَى». 18وَإِذْ
كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كُنْتُ مُسَبَّخًا عَلَى وَجْهِي إِلَى الأَرْضِ،
فَلَمَسَنِي وَأَوْقَفَنِي عَلَى مَقَامِي. 19وَقَالَ: «هأَنَذَا
أُعَرِّفُكَ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ السُّخَطِ. لأَنَّ لِمِيعَادِ الانْتِهَاءَ. 20أَمَّا
الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ.
21وَالتَّيْسُ الْعَافِي مَلِكُ الْيُونَانِ، وَالْقَرْنُ الْعَظِيمُ
الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الأَوَّلُ. 22وَإِذِ
انْكَسَرَ وَقَامَ أَرْبَعَةٌ عِوَضًا عَنْهُ، فَسَتَقُومُ أَرْبَعُ مَمَالِكَ
مِنَ الأُمَّةِ، وَلكِنْ لَيْسَ فِي قُوَّتِهِ. 23وَفِي آخِرِ
مَمْلَكَتِهِمْ عِنْدَ تَمَامِ الْمَعَاصِي يَقُومُ مَلِكٌ جَافِي الْوَجْهِ
وَفَاهِمُ الْحِيَلِ. 24وَتَعْظُمُ قُوَّتُهُ، وَلكِنْ لَيْسَ
بِقُوَّتِهِ. يُهْلِكُ عَجَبًا وَيَنْجَحُ وَيَفْعَلُ وَيُبِيدُ الْعُظَمَاءَ وَشَعْبَ
الْقِدِّيسِينَ. 25وَبِحَذَاقَتِهِ يَنْجَحُ أَيْضًا الْمَكْرُ فِي
يَدِهِ، وَيَتَعَظَّمُ بِقَلْبِهِ. وَفِي الاطْمِئْنَانِ يُهْلِكُ كَثِيرِينَ،
وَيَقُومُ عَلَى رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَبِلاَ يَدٍ يَنْكَسِرُ. 26فَرُؤْيَا
الْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ الَّتِي قِيلَتْ هِيَ حَقٌّ. أَمَّا أَنْتَ فَاكْتُمِ
الرُّؤْيَا لأَنَّهَا إِلَى أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ». 27وَأَنَا دَانِيآلَ
ضَعُفْتُ وَنَحَلْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ قُمْتُ وَبَاشَرْتُ أَعْمَالَ الْمَلِكِ،
وَكُنْتُ مُتَحَيِّرًا مِنَ الرُّؤْيَا وَلاَ فَاهِمَ.
الأصحَاحُ التَّاسِعُ
1فِي السَّنَةِ الأُولَى
لِدَارِيُوسَ بْنِ أَحْشَوِيرُوشَ مِنْ نَسْلِ الْمَادِيِّينَ الَّذِي مُلِّكَ
عَلَى مَمْلَكَةِ الْكَلْدَانِيِّينَ، 2فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ
مُلْكِهِ، أَنَا دَانِيآلَ فَهِمْتُ مِنَ الْكُتُبِ عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي
كَانَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ، لِكَمَالَةِ
سَبْعِينَ سَنَةً عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ. 3فَوَجَّهْتُ وَجْهِي
إِلَى اللهِ السَّيِّدِ طَالِبًا بِالصَّلاَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، بِالصَّوْمِ
وَالْمَسْحِ وَالرَّمَادِ. 4وَصَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِي
وَاعْتَرَفْتُ وَقُلْتُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْعَظِيمُ الْمَهُوبُ،
حَافِظَ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ لِمُحِبِّيهِ وَحَافِظِي وَصَايَاهُ. 5أَخْطَأْنَا
وَأَثِمْنَا وَعَمِلْنَا الشَّرَّ، وَتَمَرَّدْنَا وَحِدْنَا عَنْ وَصَايَاكَ
وَعَنْ أَحْكَامِكَ. 6وَمَا سَمِعْنَا مِنْ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ
الَّذِينَ بِاسْمِكَ كَلَّمُوا مُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ
شَعْبِ الأَرْضِ. 7لَكَ يَا سَيِّدُ الْبِرُّ، أَمَّا لَنَا فَخِزْيُ
الْوُجُوهِ، كَمَا هُوَ الْيَوْمَ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَلِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ،
وَلِكُلِّ إِسْرَائِيلَ الْقَرِيبِينَ وَالْبَعِيدِينَ فِي كُلِّ الأَرَاضِي
الَّتِي طَرَدْتَهُمْ إِلَيْهَا، مِنْ أَجْلِ خِيَانَتِهِمِ الَّتِي خَانُوكَ
إِيَّاهَا. 8يَا سَيِّدُ، لَنَا خِزْيُ الْوُجُوهِ، لِمُلُوكِنَا،
لِرُؤَسَائِنَا وَلآبَائِنَا لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ. 9لِلرَّبِّ
إِلهِنَا الْمَرَاحِمُ وَالْمَغْفِرَةُ، لأَنَّنَا تَمَرَّدْنَا عَلَيْهِ. 10وَمَا
سَمِعْنَا صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِنَا لِنَسْلُكَ فِي شَرَائِعِهِ الَّتِي جَعَلَهَا
أَمَامَنَا عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ. 11وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ
قَدْ تَعَدَّى عَلَى شَرِيعَتِكَ، وَحَادُوا لِئَلاَّ يَسْمَعُوا صَوْتَكَ،
فَسَكَبْتَ عَلَيْنَا اللَّعْنَةَ وَالْحَلْفَ الْمَكْتُوبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى
عَبْدِ اللهِ، لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ. 12وَقَدْ أَقَامَ
كَلِمَاتِهِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْنَا وَعَلَى قُضَاتِنَا الَّذِينَ
قَضَوْا لَنَا، لِيَجْلِبَ عَلَيْنَا شَرًّا عَظِيمًا، مَا لَمْ يُجْرَ تَحْتَ
السَّمَاوَاتِ كُلِّهَا كَمَا أُجْرِيَ عَلَى أُورُشَلِيمَ. 13كَمَا
كُتِبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، قَدْ جَاءَ عَلَيْنَا كُلُّ هذَا الشَّرِّ، وَلَمْ
نَتَضَرَّعْ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ إِلهِنَا لِنَرْجعَ مِنْ آثَامِنَا وَنَفْطِنَ
بِحَقِّكَ. 14فَسَهِرَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ وَجَلَبَهُ عَلَيْنَا،
لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا بَارٌّ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ الَّتِي عَمِلَهَا إِذْ
لَمْ نَسْمَعْ صَوْتَهُ. 15وَالآنَ أَيُّهَا السَّيِّدُ إِلهُنَا،
الَّذِي أَخْرَجْتَ شَعْبَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ، وَجَعَلْتَ
لِنَفْسِكَ اسْمًا كَمَا هُوَ هذَا الْيَوْمَ، قَدْ أَخْطَأْنَا، عَمِلْنَا
شَرًّا. 16يَا سَيِّدُ، حَسَبَ كُلِّ رَحْمَتِكَ اصْرِفْ سَخَطَكَ
وَغَضَبَكَ عَنْ مَدِينَتِكَ أُورُشَلِيمَ جَبَلِ قُدْسِكَ، إِذْ لِخَطَايَانَا
وَلآثَامِ آبَائِنَا صَارَتْ أُورُشَلِيمُ وَشَعْبُكَ عَارًا عِنْدَ جَمِيعِ
الَّذِينَ حَوْلَنَا. 17فَاسْمَعِ الآنَ يَا إِلهَنَا صَلاَةَ عَبْدِكَ
وَتَضَرُّعَاتِهِ، وَأَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى مَقْدِسِكَ الْخَرِبِ مِنْ أَجْلِ
السَّيِّدِ. 18أَمِلْ أُذُنَكَ يَا إِلهِي وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ
عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ خِرَبَنَا وَالْمَدِينَةَ الَّتِي دُعِيَ اسْمُكَ عَلَيْهَا،
لأَنَّهُ لاَ لأَجْلِ بِرِّنَا نَطْرَحُ تَضَرُّعَاتِنَا أَمَامَ وَجْهِكَ، بَلْ
لأَجْلِ مَرَاحِمِكَ الْعَظِيمَةِ. 19يَا سَيِّدُ اسْمَعْ. يَا سَيِّدُ
اغْفِرْ. يَا سَيِّدُ أَصْغِ وَاصْنَعْ. لاَ تُؤَخِّرْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِكَ يَا
إِلهِي، لأَنَّ اسْمَكَ دُعِيَ عَلَى مَدِينَتِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ».
20وَبَيْنَمَا أَنَا أَتَكَلَّمُ
وَأُصَلِّي وَأَعْتَرِفُ بِخَطِيَّتِي وَخَطِيَّةِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ،
وَأَطْرَحُ تَضَرُّعِي أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِي عَنْ جَبَلِ قُدْسِ إِلهِي، 21وَأَنَا
مُتَكَلِّمٌ بَعْدُ بِالصَّلاَةِ، إِذَا بِالرَّجُلِ جِبْرَائِيلَ الَّذِي
رَأَيْتُهُ فِي الرُّؤْيَا فِي الابْتِدَاءِ مُطَارًا وَاغِفًا لَمَسَنِي عِنْدَ
وَقْتِ تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ. 22وَفَهَّمَنِي وَتَكَلَّمَ مَعِي
وَقَالَ: «يَا دَانِيآلُ، إِنِّي خَرَجْتُ الآنَ لأُعَلِّمَكَ الْفَهْمَ. 23فِي
ابْتِدَاءِ تَضَرُّعَاتِكَ خَرَجَ الأَمْرُ، وَأَنَا جِئْتُ لأُخْبِرَكَ لأَنَّكَ
أَنْتَ مَحْبُوبٌ. فَتَأَمَّلِ الْكَلاَمَ وَافْهَمِ الرُّؤْيَا. 24سَبْعُونَ
أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ
لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ،
وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ،
وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ. 25فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ
مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبِنَائِهَا إِلَى الْمَسِيحِ
الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا، يَعُودُ
وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الأَزْمِنَةِ. 26وَبَعْدَ
اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعًا يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ
رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ،
وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا. 27وَيُثَبِّتُ
عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ
يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ
حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ».
الأصحَاحُ الْعَاشِرُ
1فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ
لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ كُشِفَ أَمْرٌ لِدَانِيآلَ الَّذِي سُمِّيَ بِاسْمِ
بَلْطَشَاصَّرَ. وَالأَمْرُ حَقٌّ وَالْجِهَادُ عَظِيمٌ، وَفَهِمَ الأَمْرَ وَلَهُ
مَعْرِفَةُ الرُّؤْيَا. 2فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَنَا دَانِيآلَ كُنْتُ
نَائِحًا ثَلاَثَةَ أَسَابِيعِ أَيَّامٍ 3لَمْ آكُلْ طَعَامًا شَهِيًّا
وَلَمْ يَدْخُلْ فِي فَمِي لَحْمٌ وَلاَ خَمْرٌ، وَلَمْ أَدَّهِنْ حَتَّى تَمَّتْ
ثَلاَثَةُ أَسَابِيعِ أَيَّامٍ. 4وَفِي الْيَوْمِ الرَّابعِ
وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ، إِذْ كُنْتُ عَلَى جَانِبِ النَّهْرِ
الْعَظِيمِ هُوَ دِجْلَةُ، 5رَفَعْتُ وَنَظَرْتُ فَإِذَا بِرَجُل
لاَبِسٍ كَتَّانًا، وَحَقْوَاهُ مُتَنَطِّقَانِ بِذَهَبِ أُوفَازَ، 6وَجِسْمُهُ
كَالزَّبَرْجَدِ، وَوَجْهُهُ كَمَنْظَرِ الْبَرْقِ، وَعَيْنَاهُ كَمِصْبَاحَيْ
نَارٍ، وَذِرَاعَاهُ وَرِجْلاَهُ كَعَيْنِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ، وَصَوْتُ
كَلاَمِهِ كَصَوْتِ جُمْهُورٍ. 7فَرَأَيْتُ أَنَا دَانِيآلُ الرُّؤْيَا
وَحْدِي، وَالرِّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا مَعِي لَمْ يَرَوْا الرُّؤْيَا، لكِنْ
وَقَعَ عَلَيْهِمِ ارْتِعَادٌ عَظِيمٌ، فَهَرَبُوا لِيَخْتَبِئُوا. 8فَبَقِيتُ
أَنَا وَحْدِي، وَرَأَيْتُ هذِهِ الرُّؤْيَا الْعَظِيمَةَ. وَلَمْ تَبْقَ فِيَّ
قُوَّةٌ، وَنَضَارَتِي تَحَوَّلَتْ فِيَّ إِلَى فَسَادٍ، وَلَمْ أَضْبِطْ قُوَّةً.
9وَسَمِعْتُ صَوْتَ كَلاَمِهِ. وَلَمَّا سَمِعْتُ صَوْتَ كَلاَمِهِ
كُنْتُ مُسَبَّخًا عَلَى وَجْهِي، وَوَجْهِي إِلَى الأَرْضِ. 10وَإِذَا
بِيَدٍ لَمَسَتْنِي وَأَقَامَتْنِي مُرْتَجِفًا عَلَى رُكْبَتَيَّ وَعَلَى كَفَّيْ
يَدَيَّ. 11وَقَالَ لِي: «يَا دَانِيآلُ، أَيُّهَا الرَّجُلُ
الْمَحْبُوبُ افْهَمِ الْكَلاَمَ الَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ، وَقُمْ عَلَى
مَقَامِكَ لأَنِّي الآنَ أُرْسِلْتُ إِلَيْكَ». وَلَمَّا تَكَلَّمَ مَعِي بِهذَا
الْكَلاَمِ قُمْتُ مُرْتَعِدًا. 12فَقَالَ لِي: «لاَ تَخَفْ يَا
دَانِيآلُ، لأَنَّهُ مِنَ الْيَوْمِ الأَوَّلِ الَّذِي فِيهِ جَعَلْتَ قَلْبَكَ
لِلْفَهْمِ وَلإِذْلاَلِ نَفْسِكَ قُدَّامَ إِلهِكَ، سُمِعَ كَلاَمُكَ، وَأَنَا
أَتَيْتُ لأَجْلِ كَلاَمِكَ. 13وَرَئِيسُ مَمْلَكَةِ فَارِسَ وَقَفَ
مُقَابِلِي وَاحِدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهُوَذَا مِيخَائِيلُ وَاحِدٌ مِنَ
الرُّؤَسَاءِ الأَوَّلِينَ جَاءَ لإِعَانَتِي، وَأَنَا أُبْقِيتُ هُنَاكَ عِنْدَ
مُلُوكِ فَارِسَ. 14وَجِئْتُ لأُفْهِمَكَ مَا يُصِيبُ شَعْبَكَ فِي
الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ، لأَنَّ الرُّؤْيَا إِلَى أَيَّامٍ بَعْدُ».
15فَلَمَّا تَكَلَّمَ مَعِي
بِمِثْلِ هذَا الْكَلاَمِ جَعَلْتُ وَجْهِي إِلَى الأَرْضِ وَصَمَتُّ. 16وَهُوَذَا
كَشِبْهِ بَنِي آدَمَ لَمَسَ شَفَتَيَّ، فَفَتَحْتُ فَمِي وَتَكَلَّمْتُ وَقُلْتُ
لِلْوَاقِفِ أَمَامِي: «يَا سَيِّدِي، بِالرُّؤْيَا انْقَلَبَتْ عَلَيَّ
أَوْجَاعِي فَمَا ضَبَطْتُ قُوَّةً. 17فَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ عَبْدُ
سَيِّدِي هذَا أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ سَيِّدِي هذَا وَأَنَا فَحَالاً، لَمْ
تَثْبُتْ فِيَّ قُوَّةٌ وَلَمْ تَبْقَ فِيَّ نَسَمَةٌ؟». 18فَعَادَ
وَلَمَسَنِي كَمَنْظَرِ إِنْسَانٍ وَقَوَّانِي، 19وَقَالَ: «لاَ تَخَفْ
أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَحْبُوبُ. سَلاَمٌ لَكَ. تَشَدَّدْ. تَقَوَّ». وَلَمَّا
كَلَّمَنِي تَقَوَّيْتُ وَقُلْتُ: «لِيَتَكَلَّمْ سَيِّدِي لأَنَّكَ
قَوَّيْتَنِي». 20فَقَالَ: «هَلْ عَرَفْتَ لِمَاذَا جِئْتُ إِلَيْكَ؟
فَالآنَ أَرْجعُ وَأُحَارِبُ رَئِيسَ فَارِسَ. فَإِذَا خَرَجْتُ هُوَذَا رَئِيسُ
الْيُونَانِ يَأْتِي. 21وَلكِنِّي أُخْبِرُكَ بِالْمَرْسُومِ فِي
كِتَابِ الْحَقِّ. وَلاَ أَحَدٌ يَتَمَسَّكُ مَعِي عَلَى هؤُلاَءِ إِلاَّ
مِيخَائِيلُ رَئِيسُكُمْ.
الأصحَاحُ الْحَادِي عَشَرَ
1«وَأَنَا فِي السَّنَةِ
الأُولَى لِدَارِيُوسَ الْمَادِيِّ وَقَفْتُ لأُشَدِّدَهُ وَأُقَوِّيَهُ. 2وَالآنَ
أُخْبِرُكَ بِالْحَقِّ. هُوَذَا ثَلاَثَةُ مُلُوكٍ أَيْضًا يَقُومُونَ فِي
فَارِسَ، وَالرَّابعُ يَسْتَغْنِي بِغِنًى أَوْفَرَ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَحَسَبَ
قُوَّتِهِ بِغِنَاهُ يُهَيِّجُ الْجَمِيعَ عَلَى مَمْلَكَةِ الْيُونَانِ. 3وَيَقُومُ
مَلِكٌ جَبَّارٌ وَيَتَسَلَّطُ تَسَلُّطًا عَظِيمًا وَيَفْعَلُ حَسَبَ
إِرَادَتِهِ. 4وَكَقِيَامِهِ تَنْكَسِرُ مَمْلَكَتُهُ وَتَنْقَسِمُ
إِلَى رِيَاحِ السَّمَاءِ الأَرْبَعِ، وَلاَ لِعَقِبِهِ وَلاَ حَسَبَ سُلْطَانِهِ
الَّذِي تَسَلَّطَ بِهِ، لأَنَّ مَمْلَكَتَهُ تَنْقَرِضُ وَتَكُونُ لآخَرِينَ
غَيْرِ أُولئِكَ. 5وَيَتَقَوَّى مَلِكُ الْجَنُوبِ. وَمِنْ رُؤَسَائِهِ
مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ وَيَتَسَلَّطُ. تَسَلُّطٌ عَظِيمٌ تَسَلُّطُهُ. 6وَبَعْدَ
سِنِينَ يَتَعَاهَدَانِ، وَبِنْتُ مَلِكِ الْجَنُوبِ تَأْتِي إِلَى مَلِكِ
الشِّمَالِ لإِجْرَاءِ الاتِّفَاقِ، وَلكِنْ لاَ تَضْبِطُ الذِّرَاعُ قُوَّةً،
وَلاَ يَقُومُ هُوَ وَلاَ ذِرَاعُهُ. وَتُسَلَّمُ هِيَ وَالَّذِينَ أَتَوْا بِهَا
وَالَّذِي وَلَدَهَا وَمَنْ قَوَّاهَا فِي تِلْكَ الأَوْقَاتِ. 7وَيَقُومُ
مِنْ فَرْعِ أُصُولِهَا قَائِمٌ مَكَانَهُ، وَيَأْتِي إِلَى الْجَيْشِ وَيَدْخُلُ
حِصْنَ مَلِكِ الشِّمَالِ وَيَعْمَلُ بِهِمْ وَيَقْوَى. 8وَيَسْبِي
إِلَى مِصْرَ آلِهَتَهُمْ أَيْضًا مَعَ مَسْبُوكَاتِهِمْ وَآنِيَتِهِمِ
الثَّمِينَةِ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ ، وَيَقْتَصِرُ سِنِينَ عَنْ مَلِكِ
الشِّمَالِ. 9فَيَدْخُلُ مَلِكُ الْجَنُوبِ إِلَى مَمْلَكَتِهِ
وَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ.
10«وَبَنُوهُ يَتَهَيَّجُونَ
فَيَجْمَعُونَ جُمْهُورَ جُيُوشٍ عَظِيمَةٍ، وَيَأْتِي آتٍ وَيَغْمُرُ وَيَطْمُو
وَيَرْجِعُ وَيُحَارِبُ حَتَّى إِلَى حِصْنِهِ. 11وَيَغْتَاظُ مَلِكُ
الْجَنُوبِ وَيَخْرُجُ وَيُحَارِبُهُ أَيْ مَلِكَ الشِّمَالِ، وَيُقِيمُ
جُمْهُورًا عَظِيمًا فَيُسَلَّمُ الْجُمْهُورُ فِي يَدِهِ. 12فَإِذَا
رُفِعَ الْجُمْهُورُ يَرِتْفِعُ قَلْبُهُ وَيَطْرَحُ رَبَوَاتٍ وَلاَ يَعْتَزُّ. 13فَيَرْجعُ
مَلِكُ الشِّمَالِ وَيُقِيمُ جُمْهُورًا أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِ، وَيَأْتِي
بَعْدَ حِينٍ، بَعْدَ سِنِينَ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَثَرْوَةٍ جَزِيلَةٍ. 14وَفِي
تِلْكَ الأَوْقَاتِ يَقُومُ كَثِيرُونَ عَلَى مَلِكِ الْجَنُوبِ، وَبَنُو
الْعُتَاةِ مِنْ شَعْبِكَ يَقُومُونَ لإِثْبَاتِ الرُّؤْيَا وَيَعْثُرُونَ. 15فَيَأْتِي
مَلِكُ الشِّمَالِ وَيُقِيمُ مِتْرَسَةً وَيَأْخُذُ الْمَدِينَةَ الْحَصِينَةَ،
فَلاَ تَقُومُ أَمَامَهُ ذِرَاعَا الْجَنُوبِ وَلاَ قَوْمُهُ الْمُنْتَخَبُ، وَلاَ
تَكُونُ لَهُ قُوَّةٌ لِلْمُقَاوَمَةِ. 16وَالآتِي عَلَيْهِ يَفْعَلُ
كَإِرَادَتِهِ وَلَيْسَ مَنْ يَقِفُ أَمَامَهُ، وَيَقُومُ فِي الأَرْضِ
الْبَهِيَّةِ وَهِيَ بِالتَّمَامِ بِيَدِهِ. 17وَيَجْعَلُ وَجْهَهُ
لِيَدْخُلَ بِسُلْطَانِ كُلِّ مَمْلَكَتِهِ، وَيَجْعَلُ مَعَهُ صُلْحًا،
وَيُعْطِيهِ بِنْتَ النِّسَاءِ لِيُفْسِدَهَا، فَلاَ تَثْبُتَ وَلاَ تَكُونَ لَهُ.
18وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ إِلَى الْجَزَائِرِ وَيَأْخُذُ كَثِيرًا
مِنْهَا، وَيُزِيلُ رَئِيسٌ تَعْيِيرَهُ فَضْلاً عَنْ رَدِّ تَعْيِيرِهِ عَلَيْهِ.
19وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ إِلَى حُصُونِ أَرْضِهِ وَيَعْثُرُ وَيَسْقُطُ
وَلاَ يُوجَدُ.
20«فَيَقُومُ مَكَانَهُ مَنْ
يُعَبِّرُ جَابِيَ الْجِزْيَةِ فِي فَخْرِ الْمَمْلَكَةِ، وَفِي أَيَّامٍ
قَلِيلَةٍ يَنْكَسِرُ لاَ بِغَضَبٍ وَلاَ بِحَرْبٍ. 21فَيَقُومُ
مَكَانَهُ مُحْتَقَرٌ لَمْ يَجْعَلُوا عَلَيْهِ فَخْرَ الْمَمْلَكَةِ، وَيَأْتِي
بَغْتَةً وَيُمْسِكُ الْمَمْلَكَةَ بِالتَّمَلُّقَاتِ. 22وَأَذْرُعُ
الْجَارِفِ تُجْرَفُ مِنْ قُدَّامِهِ وَتَنْكَسِرُ، وَكَذلِكَ رَئِيسُ الْعَهْدِ. 23وَمِنَ
الْمُعَاهَدَةِ مَعَهُ يَعْمَلُ بِالْمَكْرِ وَيَصْعَدُ وَيَعْظُمُ بِقَوْمٍ
قَلِيل. 24يَدْخُلُ بَغْتَةً عَلَى أَسْمَنِ الْبِلاَدِ وَيَفْعَلُ مَا
لَمْ يَفْعَلْهُ آبَاؤُهُ وَلاَ آبَاءُ آبَائِهِ. يَبْذُرُ بَيْنَهُمْ نَهْبًا
وَغَنِيمَةً وَغِنًى، وَيُفَكِّرُ أَفْكَارَهُ عَلَى الْحُصُونِ، وَذلِكَ إِلَى
حِينٍ. 25وَيُنْهِضُ قُوَّتَهُ وَقَلْبَهُ عَلَى مَلِكِ الْجَنُوبِ
بِجَيْشٍ عَظِيمٍ، وَمَلِكُ الْجَنُوبِ يَتَهَيَّجُ إِلَى الْحَرْبِ بِجَيْشٍ
عَظِيمٍ وَقَوِيٍّ جِدًّا، وَلكِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ لأَنَّهُمْ يُدَبِّرُونَ
عَلَيْهِ تَدَابِيرَ. 26وَالآكِلُونَ أَطَايِبَهُ يَكْسِرُونَهُ،
وَجَيْشُهُ يَطْمُو، وَيَسْقُطُ كَثِيرُونَ قَتْلَى. 27وَهذَانِ
الْمَلِكَانِ قَلْبُهُمَا لِفِعْلِ الشَّرِّ، وَيَتَكَلَّمَانِ بِالْكَذِبِ عَلَى
مَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ وَلاَ يَنْجَحُ، لأَنَّ الانْتِهَاءَ بَعْدُ إِلَى مِيعَادٍ. 28فَيَرْجعُ
إِلَى أَرْضِهِ بِغِنًى جَزِيل وَقَلْبُهُ عَلَى الْعَهْدِ الْمُقَدَّسِ،
فَيَعْمَلُ وَيَرْجعُ إِلَى أَرْضِهِ.
29«وَفِي الْمِيعَادِ يَعُودُ
وَيَدْخُلُ الْجَنُوبَ، وَلكِنْ لاَ يَكُونُ الآخِرُ كَالأَوَّلِ. 30فَتَأْتِي
عَلَيْهِ سُفُنٌ مِنْ كِتِّيمَ فَيَيْئَسُ وَيَرْجعُ وَيَغْتَاظُ عَلَى الْعَهْدِ
الْمُقَدَّسِ، وَيَعْمَلُ وَيَرْجعُ وَيَصْغَى إِلَى الَّذِينَ تَرَكُوا الْعَهْدَ
الْمُقَدَّسَ. 31وَتَقُومُ مِنْهُ أَذْرُعٌ وَتُنَجِّسُ الْمَقْدِسَ
الْحَصِينَ، وَتَنْزِعُ الْمُحْرَقَةَ الدَّائِمَةَ، وَتَجْعَلُ الرِّجْسَ
الْمُخَرِّبَ. 32وَالْمُتَعَدُّونَ عَلَى الْعَهْدِ يُغْوِيهِمْ
بِالتَّمَلُّقَاتِ. أَمَّا الشَّعْبُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلهَهُمْ فَيَقْوَوْنَ
وَيَعْمَلُونَ. 33وَالْفَاهِمُونَ مِنَ الشَّعْبِ يُعَلِّمُونَ
كَثِيرِينَ. وَيَعْثُرُونَ بِالسَّيْفِ وَبِاللَّهِيبِ وَبِالسَّبْيِ
وَبِالنَّهْبِ أَيَّامًا. 34فَإِذَا عَثَرُوا يُعَانُونَ عَوْنًا
قَلِيلاً، وَيَتَّصِلُ بِهِمْ كَثِيرُونَ بِالتَّمَلُّقَاتِ. 35وَبَعْضُ
الْفَاهِمِينَ يَعْثُرُونَ امْتِحَانًا لَهُمْ لِلتَّطْهِيرِ وَلِلتَّبْيِيضِ
إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. لأَنَّهُ بَعْدُ إِلَى الْمِيعَادِ.
36«وَيَفْعَلُ الْمَلِكُ
كَإِرَادَتِهِ، وَيَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلهٍ، وَيَتَكَلَّمُ
بِأُمُورٍ عَجِيبَةٍ عَلَى إِلهِ الآلِهَةِ، وَيَنْجَحُ إِلَى إِتْمَامِ
الْغَضَبِ، لأَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ يُجْرَى. 37وَلاَ يُبَالِي
بِآلِهَةِ آبَائِهِ وَلاَ بِشَهْوَةِ النِّسَاءِ، وَبِكُلِّ إِلهٍ لاَ يُبَالِي
لأَنَّهُ يَتَعَظَّمُ عَلَى الْكُلِّ. 38وَيُكْرِمُ إِلهَ الْحُصُونِ
فِي مَكَانِهِ، وَإِلهًا لَمْ تَعْرِفْهُ آبَاؤُهُ، يُكْرِمُهُ بِالذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَبِالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَالنَّفَائِسِ. 39وَيَفْعَلُ
فِي الْحُصُونِ الْحَصِينَةِ بِإِلهٍ غَرِيبٍ. مَنْ يَعْرِفُهُ يَزِيدُهُ مَجْدًا،
وَيُسَلِّطُهُمْ عَلَى كَثِيرِينَ، وَيَقْسِمُ الأَرْضَ أُجْرَةً.
40«فَفِي وَقْتِ النِّهَايَةِ
يُحَارِبُهُ مَلِكُ الْجَنُوبِ، فَيَثُورُ عَلَيْهِ مَلِكُ الشِّمَالِ
بِمَرْكَبَاتٍ وَبِفُرْسَانٍ وَبِسُفُنٍ كَثِيرَةٍ، وَيَدْخُلُ الأَرَاضِيَ
وَيَجْرُفُ وَيَطْمُو. 41وَيَدْخُلُ إِلَى الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ
فَيُعْثَرُ كَثِيرُونَ، وَهؤُلاَءِ يُفْلِتُونَ مِنْ يَدِهِ: أَدُومُ وَمُوآبُ
وَرُؤَسَاءُ بَنِي عَمُّونَ. 42وَيَمُدُّ يَدَهُ عَلَى الأَرَاضِي،
وَأَرْضُ مِصْرَ لاَ تَنْجُو. 43وَيَتَسَلَّطُ عَلَى كُنُوزِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَعَلَى كُلِّ نَفَائِسِ مِصْرَ. وَاللُّوبِيُّونَ وَالْكُوشِيُّونَ
عِنْدَ خُطُوَاتِهِ. 44وَتُفْزِعُهُ أَخْبَارٌ مِنَ الشَّرْقِ وَمِنَ
الشِّمَالِ، فَيَخْرُجُ بِغَضَبٍ عَظِيمٍ لِيُخْرِبَ وَلِيُحَرِّمَ كَثِيرِينَ. 45وَيَنْصُبُ
فُسْطَاطَهُ بَيْنَ الْبُحُورِ وَجَبَلِ بَهَاءِ الْقُدْسِ، وَيَبْلُغُ
نِهَايَتَهُ وَلاَ مُعِينَ لَهُ.
الأصحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ
1«وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ
يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ،
وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ.
وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي
السِّفْرِ. 2وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ
يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى
الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ. 3وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ
كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ
كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ.
4« أَمَّا أَنْتَ يَا
دَانِيآلُ فَأَخْفِ الْكَلاَمَ وَاخْتِمِ السِّفْرَ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ.
كَثِيرُونَ يَتَصَفَّحُونَهُ وَالْمَعْرِفَةُ تَزْدَادُ».
5فَنَظَرْتُ أَنَا دَانِيآلَ
وَإِذَا بِاثْنَيْنِ آخَرَيْنِ قَدْ وَقَفَا وَاحِدٌ مِنْ هُنَا عَلَى شَاطِئِ
النَّهْرِ، وَآخَرُ مِنْ هُنَاكَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ. 6وَقَالَ
لِلرَّجُلِ اللاَّبِسِ الْكَتَّانِ الَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ النَّهْرِ: «إِلَى
مَتَى انْتِهَاءُ الْعَجَائِبِ؟» 7فَسَمِعْتُ الرَّجُلَ اللاَّبِسَ
الْكَتَّانِ الَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ النَّهْرِ، إِذْ رَفَعَ يُمْنَاهُ
وَيُسْرَاهُ نَحْوَ السَّمَاوَاتِ وَحَلَفَ بِالْحَيِّ إِلَى الأَبَدِ: « إِنَّهُ
إِلَى زَمَانٍ وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفٍ. فَإِذَا تَمَّ تَفْرِيقُ أَيْدِي الشَّعْبِ
الْمُقَدَّسِ تَتِمُّ كُلُّ هذِهِ». 8وَأَنَا سَمِعْتُ وَمَا فَهِمْتُ.
فَقُلْتُ: «يَا سَيِّدِي، مَا هِيَ آخِرُ هذِهِ؟» 9فَقَالَ: «اذْهَبْ
يَا دَانِيآلُ لأَنَّ الْكَلِمَاتِ مَخْفِيَّةٌ وَمَخْتُومَةٌ إِلَى وَقْتِ
النِّهَايَةِ. 10كَثِيرُونَ يَتَطَهَّرُونَ وَيُبَيَّضُونَ
وَيُمَحَّصُونَ، أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَفْعَلُونَ شَرًّا. وَلاَ يَفْهَمُ أَحَدُ
الأَشْرَارِ، لكِنِ الْفَاهِمُونَ يَفْهَمُونَ. 11وَمِنْ وَقْتِ
إِزَالَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَإِقَامَةِ رِجْسِ الْمُخَرَّبِ أَلْفٌ
وَمِئَتَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا. 12طُوبَى لِمَنْ يَنْتَظِرُ
وَيَبْلُغُ إِلَى الأَلْفِ وَالثَّلاَثِ مِئَةٍ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلاَثِينَ
يَوْمًا. 13أَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ إِلَى النِّهَايَةِ فتَسْتَرِيحَ،
وتَقُومَ لِقُرعَتِكَ فِي نِهَايَةِ الأَيَّامِ».
تعليقات
إرسال تعليق