الأصحَاحُ الأَوَّلُ
1كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ
عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا،
يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. 2وَوُلِدَ لَهُ سَبْعَةُ
بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. 3وَكَانَتْ مَوَاشِيهِ سَبْعَةَ آلاَفٍ
مِنَ الْغَنَمِ، وَثَلاَثَةَ آلاَفِ جَمَل، وَخَمْسَ مِئَةِ فَدَّانِ بَقَرٍ،
وَخَمْسَ مِئَةِ أَتَانٍ، وَخَدَمُهُ كَثِيرِينَ جِدًّا. فَكَانَ هذَا الرَّجُلُ
أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ. 4وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ
وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ،
وَيُرْسِلُونَ وَيَسْتَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ الثَّلاَثَ لِيَأْكُلْنَ
وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. 5وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ
الْوَلِيمَةِ، أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي الْغَدِ
وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ:
«رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ». هكَذَا
كَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُ كُلَّ الأَيَّامِ.
6وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ
جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا
فِي وَسْطِهِمْ. 7فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنَ أَيْنَ
جِئْتَ؟». فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي
الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا». 8فَقَالَ الرَّبُّ
لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ
مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ
عَنِ الشَّرِّ». 9فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «هَلْ
مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟ 10أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ
حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟
بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ. 11وَلكِنِ
ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ
عَلَيْكَ». 12فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ
فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ
مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ.
13وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ
وَأَبْنَاؤُهُ وَبَنَاتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي بَيْتِ
أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ، 14أَنَّ رَسُولاً جَاءَ إِلَى أَيُّوبَ وَقَالَ:
«الْبَقَرُ كَانَتْ تَحْرُثُ، وَالأُتُنُ تَرْعَى بِجَانِبِهَا، 15فَسَقَطَ
عَلَيْهَا السَّبَئِيُّونَ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ
السَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ». 16وَبَيْنَمَا هُوَ
يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «نَارُ اللهِ سَقَطَتْ مِنَ السَّمَاءِ
فَأَحْرَقَتِ الْغَنَمَ وَالْغِلْمَانَ وَأَكَلَتْهُمْ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي
لأُخْبِرَكَ». 17وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ
وَقَالَ: «الْكَلْدَانِيُّونَ عَيَّنُوا ثَلاَثَ فِرَق، فَهَجَمُوا عَلَى
الْجِمَالِ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَنَجَوْتُ
أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ». 18وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ
جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ
خَمْرًا فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ، 19وَإِذَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ
جَاءَتْ مِنْ عَبْرِ الْقَفْرِ وَصَدَمَتْ زَوَايَا الْبَيْتِ الأَرْبَعَ،
فَسَقَطَ عَلَى الْغِلْمَانِ فَمَاتُوا، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ». 20فَقَامَ
أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ
وَسَجَدَ، 21وَقَالَ: «عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي،
وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ،
فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا». 22فِي كُلِّ هذَا لَمْ
يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ للهِ جِهَالَةً.
الأصحَاحُ الثَّانِي
1وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ
جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا
فِي وَسْطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ الرَّبِّ. 2فَقَالَ الرَّبُّ
لِلشَّيْطَانِ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟» فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ:
«مِنَ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا». 3فَقَالَ
الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟
لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي
اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ،
وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ». 4فَأَجَابَ
الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وَكُلُّ مَا لِلإِنْسَانِ
يُعْطِيهِ لأَجْلِ نَفْسِهِ. 5وَلكِنْ ابْسِطِ الآنَ يَدَكَ وَمَسَّ
عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ». 6فَقَالَ
الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ».
7فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ
حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ
إِلَى هَامَتِهِ. 8فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا
وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ. 9فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ:
«أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ!». 10فَقَالَ
لَهَا: «تَتَكَلَّمِينَ كَلاَمًا كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ
مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟». فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ
أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ.
11فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُ
أَيُّوبَ الثَّلاَثَةُ بِكُلِّ الشَّرِّ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ، جَاءُوا كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ: أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ
وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ، وَتَوَاعَدُوا أَنْ يَأْتُوا لِيَرْثُوا لَهُ
وَيُعَزُّوهُ. 12وَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ
يَعْرِفُوهُ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَبَكَوْا، وَمَزَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ
جُبَّتَهُ، وَذَرَّوْا تُرَابًا فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ نَحْوَ السَّمَاءِ، 13وَقَعَدُوا
مَعَهُ عَلَى الأَرْضِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَال، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ
أَحَدٌ بِكَلِمَةٍ، لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ كَآبَتَهُ كَانَتْ عَظِيمَةً جِدًّا.
الأصحَاحُ الثَّالِثُ
1بَعْدَ هذَا فَتَحَ أَيُّوبُ
فَاهُ وَسَبَّ يَوْمَهُ، 2وَأَخَذَ أَيُّوبُ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ:
3«لَيْتَهُ هَلَكَ الْيَوْمُ
الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَاللَّيْلُ الَّذِي قَالَ: قَدْ حُبِلَ بِرَجُل. 4لِيَكُنْ
ذلِكَ الْيَوْمُ ظَلاَمًا. لاَ يَعْتَنِ بِهِ اللهُ مِنْ فَوْقُ، وَلاَ يُشْرِقْ
عَلَيْهِ نَهَارٌ. 5لِيَمْلِكْهُ الظَّلاَمُ وَظِلُّ الْمَوْتِ.
لِيَحُلَّ عَلَيْهِ سَحَابٌ. لِتَرْعَبْهُ كَاسِفَاتُ ظُلُمَاتُ النَّهَارِ. 6أَمَّا
ذلِكَ اللَّيْلُ فَلْيُمْسِكْهُ الدُّجَى، وَلاَ يَفْرَحْ بَيْنَ أَيَّامِ
السَّنَةِ، وَلاَ يَدْخُلَنَّ فِي عَدَدِ الشُّهُورِ. 7هُوَذَا ذلِكَ
اللَّيْلُ لِيَكُنْ عَاقِرًا، لاَ يُسْمَعْ فِيهِ هُتَافٌ. 8لِيَلْعَنْهُ
لاَعِنُو الْيَوْمِ الْمُسْتَعِدُّونَ لإِيقَاظِ التِّنِّينِ. 9لِتُظْلِمْ
نُجُومُ عِشَائِهِ. لِيَنْتَظِرِ النُّورَ وَلاَ يَكُنْ، وَلاَ يَرَ هُدُبَ
الصُّبْحِ، 10لأَنَّهُ لَمْ يُغْلِقْ أَبْوَابَ بَطْنِ أُمِّي، وَلَمْ
يَسْتُرِ الشَّقَاوَةَ عَنْ عَيْنَيَّ. 11لِمَ لَمْ أَمُتْ مِنَ
الرَّحِمِ؟ عِنْدَمَا خَرَجْتُ مِنَ الْبَطْنِ، لِمَ لَمْ أُسْلِمِ الرُّوحَ؟ 12لِمَاذَا
أَعَانَتْنِي الرُّكَبُ، وَلِمَ الثُّدِيُّ حَتَّى أَرْضَعَ؟ 13لأَنِّي
قَدْ كُنْتُ الآنَ مُضْطَجِعًا سَاكِنًا. حِينَئِذٍ كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحًا 14مَعَ
مُلُوكٍ وَمُشِيرِي الأَرْضِ، الَّذِينَ بَنَوْا أَهْرَامًا لأَنْفُسِهِمْ، 15أَوْ
مَعَ رُؤَسَاءَ لَهُمْ ذَهَبٌ، الْمَالِئِينَ بُيُوتَهُمْ فِضَّةً، 16أَوْ
كَسِقْطٍ مَطْمُورٍ فَلَمْ أَكُنْ، كَأَجِنَّةٍ لَمْ يَرَوْا نُورًا. 17هُنَاكَ
يَكُفُّ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الشَّغْبِ، وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ الْمُتْعَبُون. 18الأَسْرَى
يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعًا، لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْمُسَخِّرِ. 19الصَّغِيرُ
كَمَا الْكَبِيرُ هُنَاكَ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ.
20«لِمَ يُعْطَى لِشَقِيٍّ
نُورٌ، وَحَيَاةٌ لِمُرِّي النَّفْسِ؟ 21الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ
الْمَوْتَ وَلَيْسَ هُوَ، وَيَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ الْكُنُوزِ، 22الْمَسْرُورِينَ
إِلَى أَنْ يَبْتَهِجُوا، الْفَرِحِينَ عِنْدَمَا يَجِدُونَ قَبْرًا! 23لِرَجُل
قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُهُ، وَقَدْ سَيَّجَ اللهُ حَوْلَهُ. 24لأَنَّهُ
مِثْلَ خُبْزِي يَأْتِي أَنِينِي، وَمِثْلَ الْمِيَاهِ تَنْسَكِبُ زَفْرَتِي، 25لأَنِّي
ارْتِعَابًا ارْتَعَبْتُ فَأَتَانِي، وَالَّذِي فَزِعْتُ مِنْهُ جَاءَ عَلَيَّ. 26لَمْ
أَطْمَئِنَّ وَلَمْ أَسْكُنْ وَلَمْ أَسْتَرِحْ، وَقَدْ جَاءَ الزُّجْرُ».
الأصحَاحُ الرَّابعُ
1فَأجَابَ أَلِيفَازُ
التَّيمَانِيُّ وَقَالَ: 2«إِنِ امْتَحَنَ أَحَدٌ كَلِمَةً مَعَكَ،
فَهَلْ تَسْتَاءُ؟ وَلكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ الامْتِنَاعَ عَنِ الْكَلاَمِ؟ 3هَا
أَنْتَ قَدْ أَرْشَدْتَ كَثِيرِينَ، وَشَدَّدْتَ أَيَادِيَ مُرْتَخِيَةً. 4قَدْ
أَقَامَ كَلاَمُكَ الْعَاثِرَ، وَثَبَّتَّ الرُّكَبَ الْمُرْتَعِشَةَ! 5وَالآنَ
إِذْ جَاءَ عَلَيْكَ ضَجِرْتَ، إِذْ مَسَّكَ ارْتَعْتَ. 6أَلَيْسَتْ
تَقْوَاكَ هِيَ مُعْتَمَدَكَ، وَرَجَاؤُكَ كَمَالَ طُرُقِكَ؟ 7اُذْكُرْ:
مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَأَيْنَ أُبِيدَ الْمُسْتَقِيمُونَ؟ 8كَمَا
قَدْ رَأَيْتَ: أَنَّ الْحَارِثِينَ إِثْمًا، وَالزَّارِعِينَ شَقَاوَةً
يَحْصُدُونَهَا. 9بِنَسَمَةِ اللهِ يَبِيدُونَ، وَبِرِيحِ أَنْفِهِ
يَفْنَوْنَ. 10زَمْجَرَةُ الأَسَدِ وَصَوْتُ الزَّئِيرِ وَأَنْيَابُ
الأَشْبَالِ تَكَسَّرَتْ. 11اَللَّيْثُ هَالِكٌ لِعَدَمِ الْفَرِيسَةِ،
وَأَشْبَالُ اللَّبْوَةِ تَبَدَّدَتْ.
12«ثُمَّ إِلَيَّ تَسَلَّلَتْ
كَلِمَةٌ، فَقَبِلَتْ أُذُنِي مِنْهَا رِكْزًا. 13فِي الْهَوَاجِسِ
مِنْ رُؤَى اللَّيْلِ، عِنْدَ وُقُوعِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، 14أَصَابَنِي
رُعْبٌ وَرَعْدَةٌ، فَرَجَفَتْ كُلَّ عِظَامِي. 15فَمَرَّتْ رُوحٌ
عَلَى وَجْهِي، اقْشَعَرَّ شَعْرُ جَسَدِي. 16وَقَفَتْ وَلكِنِّي لَمْ
أَعْرِفْ مَنْظَرَهَا، شِبْهٌ قُدَّامَ عَيْنَيَّ. سَمِعْتُ صَوْتًا مُنْخَفِضًا: 17أَالإِنْسَانُ
أَبَرُّ مِنَ اللهِ؟ أَمِ الرَّجُلُ أَطْهَرُ مِنْ خَالِقِهِ؟ 18هُوَذَا
عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً، 19فَكَمْ
بِالْحَرِيِّ سُكَّانُ بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ، الَّذِينَ أَسَاسُهُمْ فِي التُّرَابِ،
وَيُسْحَقُونَ مِثْلَ الْعُثِّ؟ 20بَيْنَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ
يُحَطَّمُونَ. بِدُونِ مُنْتَبِهٍ إِلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ يَبِيدُونَ. 21أَمَا
انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ طُنُبُهُمْ؟ يَمُوتُونَ بِلاَ حِكْمَةٍ.
الأصحَاحُ الْخَامِسُ
1«اُدْعُ الآنَ. فَهَلْ لَكَ
مِنْ مُجِيبٍ؟ وَإِلَى أَيِّ الْقِدِّيسِينَ تَلْتَفِتُ؟ 2لأَنَّ
الْغَيْظَ يَقْتُلُ الْغَبِيَّ، وَالْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ. 3إِنِّي
رَأَيْتُ الْغَبِيَّ يَتَأَصَّلُ وَبَغْتَةً لَعَنْتُ مَرْبِضَهُ. 4بَنُوهُ
بَعِيدُونَ عَنِ الأَمْنِ، وَقَدْ تَحَطَّمُوا فِي الْبَابِ وَلاَ مُنْقِذَ. 5الَّذِينَ
يَأْكُلُ الْجَوْعَانُ حَصِيدَهُمْ، وَيَأْخُذُهُ حَتَّى مِنَ الشَّوْكِ،
وَيَشْتَفُّ الظَّمْآنُ ثَرْوَتَهُمْ. 6إِنَّ الْبَلِيَّةَ لاَ
تَخْرُجُ مِنَ التُّرَابِ، وَالشَّقَاوَةَ لاَ تَنْبُتُ مِنَ الأَرْضِ، 7وَلكِنَّ
الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ
الْجَنَاحِ.
8« لكِنْ كُنْتُ أَطْلُبُ
إِلَى اللهِ، وَعَلَى اللهِ أَجْعَلُ أَمْرِي. 9الْفَاعِلِ عَظَائِمَ
لاَ تُفْحَصُ وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ. 10الْمُنْزِلِ مَطَرًا عَلَى
وَجْهِ الأَرْضِ، وَالْمُرْسِلِ الْمِيَاهَ عَلَى الْبَرَارِيِّ. 11الْجَاعِلِ
الْمُتَوَاضِعِينَ فِي الْعُلَى، فَيَرْتَفِعُ الْمَحْزُونُونَ إِلَى أَمْنٍ. 12الْمُبْطِلِ
أَفْكَارَ الْمُحْتَالِينَ، فَلاَ تُجْرِي أَيْدِيهِمْ قَصْدًا. 13الآخِذِ
الْحُكَمَاءَ بِحِيلَتِهِمْ، فَتَتَهَوَّرُ مَشُورَةُ الْمَاكِرِينَ. 14فِي
النَّهَارِ يَصْدِمُونَ ظَلاَمًا، وَيَتَلَمَّسُونَ فِي الظَّهِيرَةِ كَمَا فِي
اللَّيْلِ. 15الْمُنَجِّيَ الْبَائِسَ مِنَ السَّيْفِ، مِنْ فَمِهِمْ
وَمِنْ يَدِ الْقَوِيِّ. 16فَيَكُونُ لِلذَّلِيلِ رَجَاءٌ وَتَسُدُّ
الْخَطِيَّةُ فَاهَا.
17« هُوَذَا طُوبَى لِرَجُل
يُؤَدِّبُهُ اللهُ. فَلاَ تَرْفُضْ تَأْدِيبَ الْقَدِيرِ. 18لأَنَّهُ
هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ. يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ. 19فِي
سِتِّ شَدَائِدَ يُنَجِّيكَ، وَفِي سَبْعٍ لاَ يَمَسُّكَ سُوءٌ. 20فِي
الْجُوعِ يَفْدِيكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَفِي الْحَرْبِ مِنْ حَدِّ السَّيْفِ. 21مِنْ
سَوْطِ اللِّسَانِ تُخْتَبَأُ، فَلاَ تَخَافُ مِنَ الْخَرَابِ إِذَا جَاءَ. 22تَضْحَكُ
عَلَى الْخَرَابِ وَالْمَحْلِ، وَلاَ تَخْشَى وُحُوشَ الأَرْضِ. 23لأَنَّهُ
مَعَ حِجَارَةِ الْحَقْلِ عَهْدُكَ، وَوُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ تُسَالِمُكَ. 24فَتَعْلَمُ
أَنَّ خَيْمَتَكَ آمِنَةٌ، وَتَتَعَهَّدُ مَرْبِضَكَ وَلاَ تَفْقِدُ شَيْئًا. 25وَتَعْلَمُ
أَنَّ زَرْعَكَ كَثِيرٌ وَذُرِّيَّتَكَ كَعُشْبِ الأَرْضِ. 26تَدْخُلُ
الْمَدْفَنَ فِي شَيْخُوخَةٍ، كَرَفْعِ الْكُدْسِ فِي أَوَانِهِ. 27هَا
إِنَّ ذَا قَدْ بَحَثْنَا عَنْهُ. كَذَا هُوَ. فَاسْمَعْهُ وَاعْلَمْ أَنْتَ
لِنَفْسِكَ».
الأصحَاحُ السَّادِسُ
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«لَيْتَ
كَرْبِي وُزِنَ، وَمَصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي الْمَوَازِينِ جَمِيعَهَا، 3لأَنَّهَا
الآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لَغَا كَلاَمِي. 4لأَنَّ
سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ وَحُمَتَهَا شَارِبَةٌ رُوحِي. أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ
ضِدِّي. 5هَلْ يَنْهَقُ الْفَرَا عَلَى الْعُشْبِ، أَوْ يَخُورُ
الثَّوْرُ عَلَى عَلَفِهِ؟ 6هَلْ يُؤْكَلُ الْمَسِيخُ بِلاَ مِلْحٍ،
أَوْ يُوجَدُ طَعْمٌ فِي مَرَقِ الْبَقْلَةِ؟ 7مَاعَافَتْ نَفْسِي أَنْ
تَمَسَّهَا، هذِه صَارَتْ مِثْلَ خُبْزِيَ الْكَرِيهِ!
8« يَا لَيْتَ طِلْبَتِي
تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ اللهُ رَجَائِي! 9أَنْ يَرْضَى اللهُ بِأَنْ
يَسْحَقَنِي، وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي. 10فَلاَ تَزَالُ
تَعْزِيَتِي وَابْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ، لاَ يُشْفِقُ: أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ
كَلاَمَ الْقُدُّوسِ. 11مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ؟ وَمَا
هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ 12هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ
الْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي نُحَاسٌ؟ 13أَلاَ إِنَّهُ لَيْسَتْ فِيَّ
مَعُونَتِي، وَالْمُسَاعَدَةُ مَطْرُودَةٌ عَنِّي!
14« حَقُّ الْمَحْزُونِ
مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ. 15أَمَّا
إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ الْغَدِيرِ. مِثْلَ سَاقِيَةِ الْوُدْيَانِ
يَعْبُرُونَ، 16الَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ الْبَرَدِ، وَيَخْتَفِي
فِيهَا الْجَلِيدُ. 17إِذَا جَرَتِ انْقَطَعَتْ. إِذَا حَمِيَتْ
جَفَّتْ مِنْ مَكَانِهَا. 18يُعَرِّجُ السَّفْرُ عَنْ طَرِيقِهِمْ،
يَدْخُلُونَ التِّيهَ فَيَهْلِكُونَ. 19نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ.
سَيَّارَةُ سَبَاءٍ رَجَوْهَا. 20خَزُوا فِي مَا كَانُوا
مُطْمَئِنِّينَ. جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا. 21فَالآنَ قَدْ صِرْتُمْ
مِثْلَهَا. رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ. 22هَلْ قُلْتُ:
أَعْطُونِي شَيْئًا، أَوْ مِنْ مَالِكُمُ ارْشُوا مِنْ أَجْلِي؟ 23أَوْ
نَجُّونِي مِنْ يَدِ الْخَصْمِ، أَوْ مِنْ يَدِ الْعُتَاةِ افْدُونِي؟ 24عَلِّمُونِي
فَأَنَا أَسْكُتُ، وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ. 25مَا
أَشَدَّ الْكَلاَمَ الْمُسْتَقِيمَ، وَأَمَّا التَّوْبِيخُ مِنْكُمْ فَعَلَى
مَاذَا يُبَرْهِنُ؟ 26هَلْ تَحْسِبُونَ أَنْ تُوَبِّخُوا كَلِمَاتٍ،
وَكَلاَمُ الْيَائِسِ لِلرِّيحِ؟ 27بَلْ تُلْقُونَ عَلَى الْيَتِيمِ،
وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً لِصَاحِبِكُمْ. 28وَالآنَ تَفَرَّسُوا فِيَّ،
فَإِنِّي عَلَى وُجُوهِكُمْ لاَ أَكْذِبُ. 29اِرْجِعُوا. لاَ
يَكُونَنَّ ظُلْمٌ. اِرْجِعُوا أَيْضًا. فِيهِ حَقِّي. 30هَلْ فِي
لِسَانِي ظُلْمٌ، أَمْ حَنَكِي لاَ يُمَيِّزُ فَسَادًا؟
الأصحَاحُ السَّابعُ
1« أَلَيْسَ جِهَادٌ
لِلإِنْسَانِ عَلَى الأَرْضِ، وَكَأَيَّامِ الأَجِيرِ أَيَّامُهُ؟ 2كَمَا
يَتَشَوَّقُ الْعَبْدُ إِلَى الظِّلِّ، وَكَمَا يَتَرَجَّى الأَجِيرُ أُجْرَتَهُ، 3هكَذَا
تَعَيَّنَ لِي أَشْهُرُ سُوءٍ، وَلَيَالِي شَقَاءٍ قُسِمَتْ لِي. 4إِذَا
اضْطَجَعْتُ أَقُولُ: مَتَى أَقُومُ؟ اللَّيْلُ يَطُولُ، وَأَشْبَعُ قَلَقًا
حَتَّى الصُّبْحِ. 5لَبِسَ لَحْمِيَ الدُّودُ مَعَ مَدَرِ التُّرَابِ.
جِلْدِي كَرِشَ وَسَاخََ. 6أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنَ الْوَشِيعَةِ،
وَتَنْتَهِي بِغَيْرِ رَجَاءٍ.
7« اُذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي
إِنَّمَا هِيَ رِيحٌ، وَعَيْنِي لاَ تَعُودُ تَرَى خَيْرًا. 8لاَ
تَرَانِي عَيْنُ نَاظِرِي. عَيْنَاكَ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَنَا. 9السَّحَابُ
يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ، هكَذَا الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ.
10لاَ يَرْجعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ
بَعْدُ. 11أَنَا أَيْضًا لاَ أَمْنَعُ فَمِي. أَتَكَلَّمُ بِضِيقِ
رُوحِي. أَشْكُو بِمَرَارَةِ نَفْسِي. 12أَبَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ،
حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِسًا؟ 13إِنْ قُلْتُ: فِرَاشِي
يُعَزِّينِي، مَضْجَعِي يَنْزِعُ كُرْبَتِي، 14تُرِيعُنِي بِالأَحْلاَمِ،
وَتُرْهِبُنِي بِرُؤًى، 15فَاخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنِقَ، الْمَوْتَ
عَلَى عِظَامِي هذِهِ. 16قَدْ ذُبْتُ. لاَ إِلَى الأَبَدِ أَحْيَا.
كُفَّ عَنِّي لأَنَّ أَيَّامِي نَفْخَةٌ. 17مَا هُوَ الإِنْسَانُ
حَتَّى تَعْتَبِرَهُ، وَحَتَّى تَضَعَ عَلَيْهِ قَلْبَكَ؟ 18وَتَتَعَهَّدَهُ
كُلَّ صَبَاحٍ، وَكُلَّ لَحْظَةٍ تَمْتَحِنُهُ؟ 19حَتَّى مَتَى لاَ
تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلاَ تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ 20أَأَخْطَأْتُ؟
مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا
لِنَفْسِكَ حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً؟ 21وَلِمَاذَا لاَ
تَغْفِرُ ذَنْبِي، وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي؟ لأَنِّي الآنَ أَضْطَجِعُ فِي
التُّرَابِ، تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ».
الأصحَاحُ الثَّامِنُ
1فَأَجَابَ بِلْدَدُ
الشُّوحِيُّ وَقَالَ: 2«إِلَى مَتَى تَقُولُ هذَا، وَتَكُونُ أَقْوَالُ
فِيكَ رِيحًا شَدِيدَةً؟ 3هَلِ اللهُ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ، أَوِ
الْقَدِيرُ يَعْكِسُ الْحَقَّ؟ 4إِذْ أَخْطَأَ إِلَيْهِ بَنُوكَ،
دَفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مَعْصِيَتِهِمْ. 5فَإِنْ بَكَّرْتَ أَنْتَ إِلَى
اللهِ وَتَضَرَّعْتَ إِلَى الْقَدِيرِ، 6إِنْ كُنْتَ أَنْتَ زَكِيًّا
مُسْتَقِيمًا، فَإِنَّهُ الآنَ يَتَنَبَّهُ لَكَ وَيُسْلِمُ مَسْكَنَ بِرِّكَ. 7وَإِنْ
تَكُنْ أُولاَكَ صَغِيرَةً فَآخِرَتُكَ تَكْثُرُ جِدًّا.
8«اِسْأَلِ الْقُرُونَ
الأُولَى وَتَأَكَّدْ مَبَاحِثَ آبَائِهِمْ، 9لأَنَّنَا نَحْنُ مِنْ أَمْسٍ
وَلاَ نَعْلَمُ، لأَنَّ أَيَّامَنَا عَلَى الأَرْضِ ظِلٌّ. 10فَهَلاَّ
يُعْلِمُونَكَ؟ يَقُولُونَ لَكَ، وَمِنْ قُلُوبِهِمْ يُخْرِجُونَ أَقْوَالاً
قَائِلِينَ: 11هَلْ يَنْمُي الْبَرْدِيُّ فِي غَيْرِ الْغَمِقَةِ، أَوْ
تَنْبُتُ الْحَلْفَاءُ بِلاَ مَاءٍ؟ 12وَهُوَ بَعْدُ فِي نَضَارَتِهِ
لَمْ يُقْطَعْ، يَيْبَسُ قَبْلَ كُلِّ الْعُشْبِ. 13هكَذَا سُبُلُ
كُلِّ النَّاسِينَ اللهَ، وَرَجَاءُ الْفَاجِرِ يَخِيبُ، 14فَيَنْقَطِعُ
اعْتِمَادُهُ، وَمُتَّكَلُهُ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ! 15يَسْتَنِدُ
إِلَى بَيْتِهِ فَلاَ يَثْبُتُ. يَتَمَسَّكُ بِهِ فَلاَ يَقُومُ. 16هُوَ
رَطْبٌ تُجَاهَ الشَّمْسِ وَعَلَى جَنَّتِهِ تَنْبُتُ خَرَاعِيبُبهُ. 17وَأُصُولُهُ
مُشْتَبِكَةٌ فِي الرُّجْمَةِ، فَتَرَى مَحَلَّ الْحِجَارَةِ. 18إِنِ
اقْتَلَعَهُ مِنْ مَكَانِهِ، يَجْحَدُهُ قَائِلاً: مَا رَأَيْتُكَ! 19هذَا
هُوَ فَرَحُ طَرِيقِهِ، وَمِنَ التُّرَابِ يَنْبُتُ آخَرُ.
20«هُوَذَا اللهُ لاَ يَرْفُضُ
الْكَامِلَ، وَلاَ يَأْخُذُ بِيَدِ فَاعِلِي الشَّرِّ. 21عِنْدَمَا
يَمْلأُ فَاكَ ضِحْكًا، وَشَفَتَيْكَ هُتَافًا، 22يَلْبِسُ مُبْغِضُوكَ
خَزْيًا، أَمَّا خَيْمَةُ الأَشْرَارِ فَلاَ تَكُونُ».
الأصحَاحُ التَّاسِعُ
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«صَحِيحٌ.
قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ كَذَا، فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟ 3إِنْ
شَاءَ أَنْ يُحَاجَّهُ، لاَ يُجِيبُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ. 4هُوَ
حَكِيمُ الْقَلْبِ وَشَدِيدُ الْقُوَّةِ. مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ؟ 5الْمُزَحْزِحُ
الْجِبَالَ وَلاَ تَعْلَمُ، الَّذِي يَقْلِبُهَا فِي غَضَبِهِ. 6الْمُزَعْزِعُ
الأَرْضَ مِنْ مَقَرِّهَا، فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا. 7الآمِرُ
الشَّمْسَ فَلاَ تُشْرِقُ، وَيَخْتِمُ عَلَى النُّجُومِ. 8الْبَاسِطُ
السَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ، وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ. 9صَانِعُ
النَّعْشِ وَالْجَبَّارِ وَالثُّرَيَّا وَمَخَادِعِ الْجَنُوبِ. 10فَاعِلُ
عَظَائِمَ لاَ تُفْحَصُ، وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ.
11«هُوَذَا يَمُرُّ عَلَيَّ
وَلاَ أَرَاهُ، وَيَجْتَازُ فَلاَ أَشْعُرُ بِهِ. 12إِذَا خَطَفَ
فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ 13اللهُ لاَ
يَرُدُّ غَضَبَهُ. يَنْحَنِي تَحْتَهُ أَعْوَانُ رَهَبَ. 14كَمْ
بِالأَقَلِّ أَنَا أُجَاوِبُهُ وَأَخْتَارُ كَلاَمِي مَعَهُ؟ 15لأَنِّي
وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لاَ أُجَاوِبُ، بَلْ أَسْتَرْحِمُ دَيَّانِي. 16لَوْ
دَعَوْتُ فَاسْتَجَابَ لِي، لَمَا آمَنْتُ بِأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتِي. 17ذَاكَ
الَّذِي يَسْحَقُنِي بِالْعَاصِفَةِ، وَيُكْثِرُ جُرُوحِي بِلاَ سَبَبٍ. 18لاَ
يَدَعُنِي آخُذُ نَفَسِي، وَلكِنْ يُشْبِعُنِي مَرَائِرَ. 19إِنْ كَانَ
مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ الْقَوِيِّ، يَقُولُ: هأَنَذَا. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ
الْقَضَاءِ يَقُولُ: مَنْ يُحَاكِمُنِي؟ 20إِنْ تَبَرَّرْتُ يَحْكُمُ
عَلَيَّ فَمِي، وَإِنْ كُنْتُ كَامِلاً يَسْتَذْنِبُنِي. 21«كَامِلٌ
أَنَا. لاَ أُبَالِي بِنَفْسِي. رَذَلْتُ حَيَاتِي. 22هِيَ وَاحِدَةٌ.
لِذلِكَ قُلْتُ: إِنَّ الْكَامِلَ وَالشِّرِّيرَ هُوَ يُفْنِيهِمَا. 23إِذَا
قَتَلَ السَّوْطُ بَغْتَةً، يَسْتَهْزِئُ بِتَجْرِبَةِ الأَبْرِيَاءِ. 24الأَرْضُ
مُسَلَّمَةٌ لِيَدِ الشِّرِّيرِ. يُغَشِّي وُجُوهَ قُضَاتِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
هُوَ، فَإِذًا مَنْ؟ 25أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنْ عَدَّاءٍ، تَفِرُّ
وَلاَ تَرَى خَيْرًا. 26تَمُرُّ مَعَ سُفُنِ الْبَرْدِيِّ. كَنَسْرٍ
يَنْقَضُّ إِلَى قَنَصِهِ. 27إِنْ قُلْتُ: أَنْسَى كُرْبَتِي، أُطْلِقُ
وَجْهِي وَأَتَبَلَّجُ، 28أَخَافُ مِنْ كُلِّ أَوْجَاعِي عَالِمًا
أَنَّكَ لاَ تُبَرِّئُنِي. 29أَنَا مُسْتَذْنَبٌ، فَلِمَاذَا أَتْعَبُ
عَبَثًا؟ 30وَلَوِ اغْتَسَلْتُ فِي الثَّلْجِ، وَنَظَّفْتُ يَدَيَّ
بِالإِشْنَانِ، 31فَإِنَّكَ فِي النَّقْعِ تَغْمِسُنِي حَتَّى
تَكْرَهَنِي ثِيَابِي. 32لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَانًا مِثْلِي
فَأُجَاوِبَهُ، فَنَأْتِي جَمِيعًا إِلَى الْمُحَاكَمَةِ. 33لَيْسَ
بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا. 34لِيَرْفَعْ
عَنِّي عَصَاهُ وَلاَ يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ. 35إِذًا أَتَكَلَّمُ وَلاَ
أَخَافُهُ، لأَنِّي لَسْتُ هكَذَا عِنْدَ نَفْسِي.
الأصحَاحُ الْعَاشِرُ
1«قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي
حَيَاتِي. أُسَيِّبُ شَكْوَايَ. أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي 2قَائِلاً
ِللهِ: لاَ تَسْتَذْنِبْنِي. فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي! 3أَحَسَنٌ
عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ، أَنْ تُرْذِلَ عَمَلَ يَدَيْكَ، وَتُشْرِقَ عَلَى
مَشُورَةِ الأَشْرَارِ؟ 4أَلَكَ عَيْنَا بَشَرٍ، أَمْ كَنَظَرِ
الإِنْسَانِ تَنْظُرُ؟ 5أَأَيَّامُكَ كَأَيَّامِ الإِنْسَانِ، أَمْ
سِنُوكَ كَأَيَّامِ الرَّجُلِ، 6حَتَّى تَبْحَثَ عَنْ إِثْمِي
وَتُفَتِّشَ عَلَى خَطِيَّتِي؟ 7فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا،
وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ.
8«يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي
وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعًا، أَفَتَبْتَلِعُنِي؟ 9اُذْكُرْ أَنَّكَ
جَبَلْتَنِي كَالطِّينِ، أَفَتُعِيدُنِي إِلَى التُّرَابِ؟ 10أَلَمْ
تَصُبَّنِي كَاللَّبَنِ، وَخَثَّرْتَنِي كَالْجُبْنِ؟ 11كَسَوْتَنِي
جِلْدًا وَلَحْمًا، فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ. 12مَنَحْتَنِي
حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي. 13لكِنَّكَ
كَتَمْتَ هذِهِ فِي قَلْبِكَ. عَلِمْتُ أَنَّ هذَا عِنْدَكَ: 14إِنْ
أَخْطَأْتُ تُلاَحِظُنِي وَلاَ تُبْرِئُنِي مِنْ إِثْمِي. 15إِنْ
أَذْنَبْتُ فَوَيْلٌ لِي، وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لاَ أَرْفَعُ رَأْسِي. إِنِّي
شَبْعَانُ هَوَانًا وَنَاظِرٌ مَذَلَّتِي. 16وَإِنِ ارْتَفَعَ
تَصْطَادُنِي كَأَسَدٍ، ثُمَّ تَعُودُ وَتَتَجَبَّرُ عَلَيَّ. 17تُجَدِّدُ
شُهُودَكَ تُجَاهِي، وَتَزِيدُ غَضَبَكَ عَلَيَّ. نُوبٌ وَجَيْشٌ ضِدِّي.
18«فَلِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي
مِنَ الرَّحِمِ؟ كُنْتُ قَدْ أَسْلَمْتُ الرُّوحَ وَلَمْ تَرَنِي عَيْنٌ! 19فَكُنْتُ
كَأَنِّي لَمْ أَكُنْ، فَأُقَادَ مِنَ الرَّحِمِ إِلَى الْقَبْرِ. 20أَلَيْسَتْ
أَيَّامِي قَلِيلَةً؟ اتْرُكْ! كُفَّ عَنِّي فَأَتَبَلَّجَ قَلِيلاً، 21قَبْلَ
أَنْ أَذْهَبَ وَلاَ أَعُودَ. إِلَى أَرْضِ ظُلْمَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ، 22أَرْضِ
ظَلاَمٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ الْمَوْتِ وَبِلاَ تَرْتِيبٍ، وَإِشْرَاقُهَا
كَالدُّجَى».
الأصحَاحُ الْحَادِي عَشَرَ
1فَأَجَابَ صُوفَرُ
النَّعْمَاتِيُّ وَقَالَ: 2«أَكَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ يُجَاوَبُ، أَمْ
رَجُلٌ مِهْذَارٌ يَتَبَرَّرُ؟ 3أَصَلَفُكَ يُفْحِمُ النَّاسَ، أَمْ
تَلْغُو وَلَيْسَ مَنْ يُخْزِيكَ؟ 4إِذْ تَقُولُ: تَعْلِيمِي زكِيٌّ،
وَأَنَا بَارٌّ فِي عَيْنَيْكَ. 5وَلكِنْ يَا لَيْتَ اللهَ يَتَكَلَّمُ
وَيَفْتَحُ شَفَتَيْهِ مَعَكَ، 6وَيُعْلِنُ لَكَ خَفِيَّاتِ
الْحِكْمَةِ! إِنَّهَا مُضَاعَفَةُ الْفَهْمِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ اللهَ يُغْرِمُكَ
بِأَقَلَّ مِنْ إِثْمِكَ.
7«أَإِلَى عُمْقِ اللهِ
تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ 8هُوَ أَعْلَى
مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ،
فَمَاذَا تَدْرِي؟ 9أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ، وَأَعْرَضُ مِنَ
الْبَحْرِ. 10إِنْ بَطَشَ أَوْ أَغْلَقَ أَوْ جَمَّعَ، فَمَنْ
يَرُدُّهُ؟ 11لأَنَّهُ هُوَ يَعْلَمُ أُنَاسَ السُّوءِ، وَيُبْصِرُ
الإِثْمَ، فَهَلْ لاَ يَنْتَبِهُ؟ 12أَمَّا الرَّجُلُ فَفَارِغٌ
عَدِيمُ الْفَهْمِ، وَكَجَحْشِ الْفَرَا يُولَدُ الإِنْسَانُ.
13«إِنْ أَعْدَدْتَ أَنْتَ
قَلْبَكَ، وَبَسَطْتَ إِلَيْهِ يَدَيْكَ. 14إِنْ أَبْعَدْتَ الإِثْمَ
الَّذِي فِي يَدِكَ، وَلاَ يَسْكُنُ الظُّلْمُ فِي خَيْمَتِكَ، 15حِينَئِذٍ
تَرْفَعُ وَجْهَكَ بِلاَ عَيْبٍ، وَتَكُونُ ثَابِتًا وَلاَ تَخَافُ. 16لأَنَّكَ
تَنْسَى الْمَشَقَّةَ. كَمِيَاهٍ عَبَرَتْ تَذْكُرُهَا. 17وَفَوْقَ
الظَّهِيرَةِ يَقُومُ حَظُّكَ. الظَّلاَمُ يَتَحَوَّلُ صَبَاحًا. 18وَتَطْمَئِنُّ
لأَنَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ. تَتَجَسَّسُ حَوْلَكَ وَتَضْطَجِعُ آمِنًا. 19وَتَرْبِضُ
وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُ، وَيَتَضَرَّعُ إِلَى وَجْهِكَ كَثِيرُونَ. 20أَمَّا
عُيُونُ الأَشْرَارِ فَتَتْلَفُ، وَمَنَاصُهُمْ يَبِيدُ، وَرَجَاؤُهُمْ تَسْلِيمُ
النَّفْسِ».
الأصحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«صَحِيحٌ
إِنَّكُمْ أَنْتُمْ شَعْبٌ وَمَعَكُمْ تَمُوتُ الْحِكْمَةُ! 3غَيْرَ
أَنَّهُ لِي فَهْمٌ مِثْلَكُمْ. لَسْتُ أَنَا دُونَكُمْ. وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ
مِثْلُ هذِهِ؟ 4رَجُلاً سُخْرَةً لِصَاحِبِهِ صِرْتُ. دَعَا اللهَ
فَاسْتَجَابَهُ. سُخْرَةٌ هُوَ الصِّدِّيقُ الْكَامِلُ. 5لِلْمُبْتَلِي
هَوَانٌ فِي أَفْكَارِ الْمُطْمَئِنِّ، مُهَيَّأٌ لِمَنْ زَلَّتْ قَدَمُهُ. 6خِيَامُ
الْمُخَرِّبِينَ مُسْتَرِيحَةٌ، وَالَّذِينَ يُغِيظُونَ اللهَ مُطْمَئِنُّونَ،
الَّذِينَ يَأْتُونَ بِإِلهِهِمْ فِي يَدِهِمْ!
7«فَاسْأَلِ الْبَهَائِمَ
فَتُعَلِّمَكَ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَتُخْبِرَكَ. 8أَوْ كَلِّمِ
الأَرْضَ فَتُعَلِّمَكَ، وَيُحَدِّثَكَ سَمَكُ الْبَحْرِ. 9مَنْ لاَ
يَعْلَمُ مِنْ كُلِّ هؤُلاَءِ أَنَّ يَدَ الرَّبِّ صَنَعَتْ هذَا؟ 10الَّذِي
بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ الْبَشَرِ. 11أَفَلَيْسَتِ
الأُذُنُ تَمْتَحِنُ الأَقْوَالَ، كَمَا أَنَّ الْحَنَكَ يَسْتَطْعِمُ طَعَامَهُ؟ 12عِنْدَ
الشَّيْبِ حِكْمَةٌ، وَطُولُ الأَيَّامِ فَهْمٌ.
13«عِنْدَهُ الْحِكْمَةُ
وَالْقُدْرَةُ. لَهُ الْمَشُورَةُ وَالْفِطْنَةُ. 14هُوَذَا يَهْدِمُ
فَلاَ يُبْنَى. يُغْلِقُ عَلَى إِنْسَانٍ فَلاَ يُفْتَحُ. 15يَمْنَعُ
الْمِيَاهَ فَتَيْبَسُ. يُطْلِقُهَا فَتَقْلِبُ الأَرْضَ. 16عِنْدَهُ
الْعِزُّ وَالْفَهْمُ. لَهُ الْمُضِلُّ وَالْمُضَلُّ. 17يَذْهَبُ
بِالْمُشِيرِينَ أَسْرَى، وَيُحَمِّقُ الْقُضَاةَ. 18يَحُلُّ مَنَاطِقَ
الْمُلُوكِ، وَيَشُدُّ أَحْقَاءَهُمْ بِوِثَاق. 19يَذْهَبُ
بِالْكَهَنَةِ أَسْرَى، وَيَقْلِبُ الأَقْوِيَاءَ. 20يَقْطَعُ كَلاَمَ
الأُمَنَاءِ، وَيَنْزِعُ ذَوْقَ الشُّيُوخِ. 21يُلْقِي هَوَانًا عَلَى
الشُّرَفَاءِ، وَيُرْخِي مِنْطَقَةَ الأَشِدَّاءِ. 22يَكْشِفُ
الْعَمَائِقَ مِنَ الظَّلاَمِ، وَيُخْرِجُ ظِلَّ الْمَوْتِ إِلَى النُّورِ. 23يُكَثِّرُ
الأُمَمَ ثُمَّ يُبِيدُهَا. يُوَسِّعُ لِلأُمَمِ ثُمَّ يُجْلِيهَا. 24يَنْزِعُ
عُقُولَ رُؤَسَاءِ شَعْبِ الأَرْضِ، وَيُضِلُّهُمْ فِي تِيهٍ بِلاَ طَرِيق. 25يَتَلَمَّسُونَ
فِي الظَّلاَمِ وَلَيْسَ نُورٌ، وَيُرَنِّحُهُمْ مِثْلَ السَّكْرَانِ.
الأصحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ
1«هذَا كُلُّهُ رَأَتْهُ
عَيْنِي. سَمِعَتْهُ أُذُنِي وَفَطِنَتْ بِهِ. 2مَا تَعْرِفُونَهُ
عَرَفْتُهُ أَنَا أَيْضًا. لَسْتُ دُونَكُمْ. 3وَلكِنِّي أُرِيدُ أَنْ
أُكَلِّمَ الْقَدِيرَ، وَأَنْ أُحَاكَمَ إِلَى اللهِ. 4أَمَّا أَنْتُمْ
فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ. 5لَيْتَكُمْ
تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً. 6اِسْمَعُوا
الآنَ حُجَّتِي، وَاصْغُوا إِلَى دَعَاوِي شَفَتَيَّ. 7أَتَقُولُونَ
لأَجْلِ اللهِ ظُلْمًا، وَتَتَكَلَّمُونَ بِغِشٍّ لأَجْلِهِ؟ 8أَتُحَابُونَ
وَجْهَهُ، أَمْ عَنِ اللهِ تُخَاصِمُونَ؟ 9أَخَيْرٌ لَكُمْ أَنْ
يَفْحَصَكُمْ، أَمْ تُخَاتِلُونَهُ كَمَا يُخَاتَلُ الإِنْسَانُ؟ 10تَوْبِيخًا
يُوَبِّخُكُمْ إِنْ حَابَيْتُمُ الْوُجُوهَ خِفْيَةً. 11فَهَلاَّ
يُرْهِبُكُمْ جَلاَلُهُ، وَيَسْقُطُ عَلَيْكُمْ رُعْبُهُ؟ 12خُطَبُكُمْ
أَمْثَالُ رَمَادٍ، وَحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ.
13«اُسْكُتُوا عَنِّي فَأَتَكَلَّمَ
أَنَا، وَلْيُصِبْنِي مَهْمَا أَصَابَ. 14لِمَاذَا آخُذُ لَحْمِي
بِأَسْنَانِي، وَأَضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟ 15هُوَذَا يَقْتُلُنِي.
لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ. 16فَهذَا
يَعُودُ إِلَى خَلاَصِي، أَنَّ الْفَاجِرَ لاَ يَأْتِي قُدَّامَهُ. 17سَمْعًا
اسْمَعُوا أَقْوَالِي وَتَصْرِيحِي بِمَسَامِعِكُمْ. 18هأَنَذَا قَدْ
أَحْسَنْتُ الدَّعْوَى. أَعْلَمُ أَنِّي أَتَبَرَّرُ. 19مَنْ هُوَ
الَّذِي يُخَاصِمُنِي حَتَّى أَصْمُتَ الآنَ وَأُسْلِمَ الرُّوحَ؟
20إِنَّمَا أَمْرَيْنِ لاَ تَفْعَلْ
بِي، فَحِينَئِذٍ لاَ أَخْتَفِي مِنْ حَضْرَتِكَ. 21أَبْعِدْ يَدَيْكَ
عَنِّي، وَلاَ تَدَعْ هَيْبَتَكَ تُرْعِبُنِي. 22ثُمَّ ادْعُ فَأَنَا
أُجِيبُ، أَوْ أَتَكَلَّمُ فَتُجَاوِبُنِي. 23كَمْ لِي مِنَ الآثَامِ
وَالْخَطَايَا؟ أَعْلِمْنِي ذَنْبِي وَخَطِيَّتِي. 24لِمَاذَا تَحْجُبُ
وَجْهَكَ، وَتَحْسِبُنِي عَدُوًّا لَكَ؟ 25أَتُرْعِبُ وَرَقَةً
مُنْدَفَعَةً، وَتُطَارِدُ قَشًّا يَابِسًا؟ 26لأَنَّكَ كَتَبْتَ
عَلَيَّ أُمُورًا مُرَّةً، وَوَرَّثْتَنِي آثَامَ صِبَايَ، 27فَجَعَلْتَ
رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ، وَلاَحَظْتَ جَمِيعَ مَسَالِكِي، وَعَلَى أُصُولِ
رِجْلَيَّ نَبَشْتَ. 28وَأَنَا كَمُتَسَوِّسٍ يَبْلَى، كَثَوْبٍ
أَكَلَهُ الْعُثُّ.
الأصحَاحُ الرَّابعُ عَشَرَ
1«اَلإِنْسَانُ مَوْلُودُ
الْمَرْأَةِ، قَلِيلُ الأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَبًا. 2يَخْرُجُ
كَالزَّهْرِ ثُمَّ يَنْحَسِمُ وَيَبْرَحُ كَالظِّلِّ وَلاَ يَقِفُ. 3فَعَلَى
مِثْلِ هذَا حَدَّقْتَ عَيْنَيْكَ، وَإِيَّايَ أَحْضَرْتَ إِلَى الْمُحَاكَمَةِ
مَعَكَ. 4مَنْ يُخْرِجُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ؟ لاَ أَحَدٌ! 5إِنْ
كَانَتْ أَيَّامُهُ مَحْدُودَةً، وَعَدَدُ أَشْهُرِهِ عِنْدَكَ، وَقَدْ عَيَّنْتَ
أَجَلَهُ فَلاَ يَتَجَاوَزُهُ، 6فَأَقْصِرْ عَنْهُ لِيَسْتَرِيحْ،
إِلَى أَنْ يُسَرَّ كَالأَجِيرِ بِانْتِهَاءِ يَوْمِهِ.
7«لأَنَّ لِلشَّجَرَةِ
رَجَاءً. إِنْ قُطِعَتْ تُخْلِفْ أَيْضًا وَلاَ تُعْدَمُ خَرَاعِيبُهَا. 8وَلَوْ
قَدُمَ فِي الأَرْضِ أَصْلُهَا، وَمَاتَ فِي التُّرَابِ جِذْعُهَا، 9فَمِنْ
رَائِحَةِ الْمَاءِ تُفْرِخُ وَتُنْبِتُ فُرُوعًا كَالْغِرْسِ. 10أَمَّا
الرَّجُلُ فَيَمُوتُ وَيَبْلَى. الإِنْسَانُ يُسْلِمُ الرُّوحَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ 11قَدْ
تَنْفَدُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرَةِ، وَالنَّهْرُ يَنْشَفُ وَيَجِفُّ، 12وَالإِنْسَانُ
يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ. لاَ يَسْتَيْقِظُونَ حَتَّى لاَ تَبْقَى السَّمَاوَاتُ،
وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ.
13«لَيْتَكَ تُوارِينِي فِي
الْهَاوِيَةِ، وَتُخْفِينِي إِلَى أَنْ يَنْصَرِفَ غَضَبُكَ، وَتُعَيِّنُ لِي
أَجَلاً فَتَذْكُرَنِي. 14إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟ كُلَّ
أَيَّامِ جِهَادِي أَصْبِرُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ بَدَلِي. 15تَدْعُو
فَأَنَا أُجِيبُكَ. تَشْتَاقُ إِلَى عَمَلِ يَدِكَ. 16أَمَّا الآنَ
فَتُحْصِي خَطَوَاتِي، أَلاَ تُحَافِظُ عَلَى خَطِيَّتِي! 17مَعْصِيَتِي
مَخْتُومٌ عَلَيْهَا فِي صُرَّةٍ، وَتُلَفِّقُ عَلَيَّ فَوْقَ إِثْمِي.
18«إِنَّ الْجَبَلَ السَّاقِطَ
يَنْتَثِرُ، وَالصَّخْرَ يُزَحْزَحُ مِنْ مَكَانِهِ. 19الْحِجَارَةُ
تَبْلِيهَا الْمِيَاهُ وَتَجْرُفُ سُيُولُهَا تُرَابَ الأَرْضِ، وَكَذلِكَ أَنْتَ
تُبِيدُ رَجَاءَ الإِنْسَانِ. 20تَتَجَبَّرُ عَلَيْهِ أَبَدًا
فَيَذْهَبُ. تُغَيِّرُ وَجْهَهُ وَتَطْرُدُهُ. 21يُكْرَمُ بَنُوهُ
وَلاَ يَعْلَمُ، أَوْ يَصْغِرُونَ وَلاَ يَفْهَمُ بِهِمْ. 22إِنَّمَا
عَلَى ذَاتِهِ يَتَوَجَّعُ لَحْمُهُ وَعَلَى ذَاتِهَا تَنُوحُ نَفْسُهُ».
الأصحَاحُ الْخَامِسُ عَشَرَ
1فَأَجَابَ أَلِيفَازُ
التَّيْمَانِيُّ وَقَالَ: 2«أَلَعَلَّ الْحَكِيمَ يُجِيبُ عَنْ
مَعْرِفَةٍ بَاطِلَةٍ، وَيَمْلأُ بَطْنَهُ مِنْ رِيحٍ شَرْقِيَّةٍ، 3فَيَحْتَجَّ
بِكَلاَمٍ لاَ يُفِيدُ، وَبِأَحَادِيثَ لاَ يَنْتَفِعُ بِهَا؟ 4أَمَّا
أَنْتَ فَتُنَافِي الْمَخَافَةَ، وَتُنَاقِضُ التَّقْوَى لَدَى اللهِ. 5لأَنَّ
فَمَكَ يُذِيعُ إِثْمَكَ، وَتَخْتَارُ لِسَانَ الْمُحْتَالِينَ. 6إِنَّ
فَمَكَ يَسْتَذْنِبُكَ، لاَ أَنَا، وَشَفَتَاكَ تَشْهَدَانِ عَلَيْكَ.
7«أَصُوِّرْتَ أَوَّلَ
النَّاسِ أَمْ أُبْدِئْتَ قَبْلَ التِّلاَلِ؟ 8هَلْ تَنَصَّتَّ فِي
مَجْلِسِ اللهِ، أَوْ قَصَرْتَ الْحِكْمَةَ عَلَى نَفْسِكَ؟ 9مَاذَا
تَعْرِفُهُ وَلاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ؟ وَمَاذَا تَفْهَمُ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا؟ 10عِنْدَنَا
الشَّيْخُ وَالأَشْيَبُ، أَكْبَرُ أَيَّامًا مِنْ أَبِيكَ. 11أَقَلِيلَةٌ
عِنْدَكَ تَعْزِيَاتُ اللهِ، وَالْكَلاَمُ مَعَكَ بِالرِّفْقِ؟
12«لِمَاذَا يَأْخُذُكَ
قَلْبُكَ؟ وَلِمَاذَا تَخْتَلِجُ عَيْنَاكَ 13حَتَّى تَرُدَّ عَلَى
اللهِ وَتُخْرِجَ مِنْ فِيكَ أَقْوَالاً؟ 14مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ
حَتَّى يَزْكُو، أَوْ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟ 15هُوَذَا
قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَالسَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ، 16فَبِالْحَرِيِّ
مَكْرُوهٌ وَفَاسِدٌ الإِنْسَانُ الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ!
17«أُوحِي إِلَيْكَ، اسْمَعْ
لِي فَأُحَدِّثَ بِمَا رَأَيْتُهُ، 18مَا أَخْبَرَ بِهِ حُكَمَاءُ عَنْ
آبَائِهِمْ فَلَمْ يَكْتُمُوهُ. 19الَّذِينَ لَهُمْ وَحْدَهُمْ
أُعْطِيَتِ الأَرْضُ، وَلَمْ يَعْبُرْ بَيْنَهُمْ غَرِيبٌ. 20الشِّرِّيرُ
هُوَ يَتَلَوَّى كُلَّ أَيَّامِهِ، وَكُلَّ عَدَدِ السِّنِينَ الْمَعْدُودَةِ
لِلْعَاتِي. 21صَوْتُ رُعُوبٍ فِي أُذُنَيْهِ. فِي سَاعَةِ سَلاَمٍ
يَأْتِيهِ الْمُخَرِّبُ. 22لاَ يَأْمُلُ الرُّجُوعَ مِنَ الظُّلْمَةِ،
وَهُوَ مُرْتَقَبٌ لِلسَّيْفِ. 23تَائِهٌ هُوَ لأَجْلِ الْخُبْزِ
حَيْثُمَا يَجِدُهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَ الظُّلْمَةِ مُهَيَّأٌ بَيْنَ
يَدَيْهِ. 24يُرْهِبُهُ الضُّرُّ وَالضَّيْقُ. يَتَجَبَّرَانِ عَلَيْهِ
كَمَلِكٍ مُسْتَعِدٍّ لِلْوَغَى. 25لأَنَّهُ مَدَّ عَلَى اللهِ يَدَهُ،
وَعَلَى الْقَدِيرِ تَجَبَّرَ 26عَادِيًا عَلَيْهِ، مُتَصَلِّبُ
الْعُنُقِ بِأَوْقَافِ مَجَانِّهِ مُعَبَّأَةً. 27لأَنَّهُ قَدْ كَسَا
وَجْهَهُ سَمْنًا، وَرَبَّى شَحْمًا عَلَى كِلْيَتَيْهِ، 28فَيَسْكُنُ
مُدُنًا خَرِبَةً، بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ عَتِيدَةً أَنْ تَصِيرَ رُجَمًا. 29لاَ
يَسْتَغْنِي، وَلاَ تَثْبُتُ ثَرْوَتُهُ، وَلاَ يَمْتَدُّ فِي الأَرْضِ مُقْتَنَاهُ.
30لاَ تَزُولُ عَنْهُ الظُّلْمَةُ. خَرَاعِيبُهُ تُيَبِّسُهَا
السُّمُومُ، وَبِنَفْخَةِ فَمِهِ يَزُولُ. 31لاَ يَتَّكِلْ عَلَى
السُّوءِ. يَضِلُّ. لأَنَّ السُّوءَ يَكُونُ أُجْرَتَهُ. 32قَبْلَ
يَوْمِهِ يُتَوَفَّى، وَسَعَفُهُ لاَ يَخْضَرُّ. 33يُسَاقِطُ
كَالْجَفْنَةِ حِصْرِمَهُ، وَيَنْثُرُ كَالزَّيْتُونِ زَهْرُهُ. 34لأَنَّ
جَمَاعَةَ الْفُجَّارِ عَاقِرٌ، وَالنَّارُ تَأْكُلُ خِيَامَ الرَّشْوَةِ. 35حَبِلَ
شَقَاوَةً وَوَلَدَ إِثْمًا، وَبَطْنُهُ أَنْشَأَ غِشًّا».
الأصحَاحُ السَّادِسُ عَشَرَ
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«قَدْ
سَمِعْتُ كَثِيرًا مِثْلَ هذَا. مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ! 3هَلْ
مِنْ نِهَايَةٍ لِكَلاَمٍ فَارِغٍ؟ أَوْ مَاذَا يُهَيِّجُكَ حَتَّى تُجَاوِبَ؟ 4أَنَا
أَيْضًا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَكَلَّمَ مِثْلَكُمْ، لَوْ كَانَتْ أَنْفُسُكُمْ
مَكَانَ نَفْسِي، وَأَنْ أَسْرُدَ عَلَيْكُمْ أَقْوَالاً وَأُنْغِضَ رَأْسِي
إِلَيْكُمْ. 5بَلْ كُنْتُ أُشَدِّدُكُمْ بِفَمِي، وَتَعْزِيَةُ
شَفَتَيَّ تُمْسِكُكُمْ.
6«إِنْ تَكَلَّمْتُ لَمْ
تَمْتَنِعْ كَآبَتِي، وَإِنْ سَكَتُّ فَمَاذَا يَذْهَبُ عَنِّي؟ 7إِنَّهُ
الآنَ ضَجَّرَنِي. خَرَّبْتَ كُلَّ جَمَاعَتِي. 8قَبَضْتَ عَلَيَّ.
وُجِدَ شَاهِدٌ. قَامَ عَلَيَّ هُزَالِي يُجَاوِبُ فِي وَجْهِي. 9غَضَبُهُ
افْتَرَسَنِي وَاضْطَهَدَنِي. حَرَقَ عَلَيَّ أَسْنَانَهُ. عَدُوِّي يُحَدِّدُ
عَيْنَيْهِ عَلَيَّ. 10فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ. لَطَمُونِي
عَلَى فَكِّي تَعْيِيرًا. تَعَاوَنُوا عَلَيَّ جَمِيعًا. 11دَفَعَنِيَ
اللهُ إِلَى الظَّالِمِ، وَفِي أَيْدِي الأَشْرَارِ طَرَحَنِي. 12كُنْتُ
مُسْتَرِيحًا فَزَعْزَعَنِي، وَأَمْسَكَ بِقَفَايَ فَحَطَّمَنِي، وَنَصَبَنِي لَهُ
غَرَضًا. 13أَحَاطَتْ بِي رُمَاتُهُ. شَقَّ كُلْيَتَيَّ وَلَمْ
يُشْفِقْ. سَفَكَ مَرَارَتِي عَلَى الأَرْضِ. 14يَقْتَحِمُنِي
اقْتِحَامًا عَلَى اقْتِحَامٍ. يَعْدُو عَلَيَّ كَجَبَّارٍ. 15خِطْتُ
مِسْحًا عَلَى جِلْدِي، وَدَسَسْتُ فِي التُّرَابِ قَرْنِي. 16اِحْمَرَّ
وَجْهِي مِنَ الْبُكَاءِ، وَعَلَى هُدُبِي ظِلُّ الْمَوْتِ. 17مَعَ
أَنَّهُ لاَ ظُلْمَ فِي يَدِي، وَصَلاَتِي خَالِصَةٌ.
18«يَا أَرْضُ لاَ تُغَطِّي
دَمِي، وَلاَ يَكُنْ مَكَانٌ لِصُرَاخِي. 19أَيْضًا الآنَ هُوَذَا فِي
السَّمَاوَاتِ شَهِيدِي، وَشَاهِدِي فِي الأَعَالِي. 20الْمُسْتَهْزِئُونَ
بِي هُمْ أَصْحَابِي. ِللهِ تَقْطُرُ عَيْنِي 21لِكَيْ يُحَاكِمَ
الإِنْسَانَ عِنْدَ اللهِ كَابْنِ آدَمَ لَدَى صَاحِبِهِ. 22إِذَا
مَضَتْ سِنُونَ قَلِيلَةٌ أَسْلُكُ فِي طَرِيق لاَ أَعُودُ مِنْهَا.
الأصحَاحُ السَّابعُ عَشَرَ
1«رُوحِي تَلِفَتْ. أَيَّامِي
انْطَفَأَتْ. إِنَّمَا الْقُبُورُ لِي.
2«لَوْلاَ الْمُخَاتِلُونَ
عِنْدِي، وَعَيْنِي تَبِيتُ عَلَى مُشَاجَرَاتِهِمْ. 3كُنْ ضَامِنِي
عِنْدَ نَفْسِكَ. مَنْ هُوَ الَّذِي يُصَفِّقُ يَدِي؟ 4لأَنَّكَ
مَنَعْتَ قَلْبَهُمْ عَنِ الْفِطْنَةِ، لأَجْلِ ذلِكَ لاَ تَرْفَعُهُمُ. 5الَّذِي
يُسَلِّمُ الأَصْحَابَ لِلسَّلْبِ، تَتْلَفُ عُيُونُ بَنِيهِ. 6أَوْقَفَنِي
مَثَلاً لِلشُّعُوبِ، وَصِرْتُ لِلْبَصْقِ فِي الْوَجْهِ. 7كَلَّتْ
عَيْنِي مِنَ الْحُزْنِ، وَأَعْضَائِي كُلُّهَا كَالظِّلِّ. 8يَتَعَجَّبُ
الْمُسْتَقِيمُونَ مِنْ هذَا، وَالْبَرِئُ يَنْتَهِضُ عَلَى الْفَاجِرِ. 9أَمَّا
الصِّدِّيقُ فَيَسْتَمْسِكُ بِطَرِيقِهِ، وَالطَّاهِرُ الْيَدَيْنِ يَزْدَادُ
قُوَّةً.
10«وَلكِنِ ارْجِعُوا كُلُّكُمْ
وَتَعَالَوْا، فَلاَ أَجِدُ فِيكُمْ حَكِيمًا. 11أَيَّامِي قَدْ
عَبَرَتْ. مَقَاصِدِي، إِرْثُ قَلْبِي، قَدِ انْتَزَعَتْ. 12يَجْعَلُونَ
اللَّيْلَ نَهَارًا، نُورًا قَرِيبًا لِلظُّلْمَةِ. 13إِذَا رَجَوْتُ
الْهَاوِيَةَ بَيْتًا لِي، وَفِي الظَّلاَمِ مَهَّدْتُ فِرَاشِي، 14وَقُلْتُ
لِلْقَبْرِ: أَنْتَ أَبِي، وَلِلدُّودِ: أَنْتَ أُمِّي وَأُخْتِي، 15فَأَيْنَ
إِذًا آمَالِي؟ آمَالِي، مَنْ يُعَايِنُهَا؟ 16تَهْبِطُ إِلَى
مَغَالِيقِ الْهَاوِيَةِ إِذْ تَرْتَاحُ مَعًا فِي التُّرَابِ».
الأصحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ
1فَأَجَابَ بِلْدَدُ
الشُّوحِيُّ وَقَالَ: 2«إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكًا لِلْكَلاَمِ؟
تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ. 3لِمَاذَا حُسِبْنَا
كَالْبَهِيمَةِ، وَتَنَجَّسْنَا فِي عُيُونِكُمْ؟ 4يَا أَيُّهَا
الْمُفْتَرِسُ نَفْسَهُ فِي غَيْظِهِ، هَلْ لأَجْلِكَ تُخْلَى الأَرْضُ، أَوْ
يُزَحْزَحُ الصَّخْرُ مِنْ مَكَانِهِ؟
5«نَعَمْ! نُورُ الأَشْرَارِ
يَنْطَفِئُ، وَلاَ يُضِيءُ لَهِيبُ نَارِهِ. 6النُّورُ يُظْلِمُ فِي
خَيْمَتِهِ، وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ. 7تَقْصُرُ خَطَوَاتُ
قُوَّتِهِ، وَتَصْرَعُهُ مَشُورَتُهُ. 8لأَنَّ رِجْلَيْهِ
تَدْفَعَانِهِ فِي الْمِصْلاَةِ فَيَمْشِي إِلَى شَبَكَةٍ. 9يُمْسِكُ
الْفَخُّ بِعَقِبِهِ، وَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ الشَّرَكُ. 10مَطْمُورَةٌ
فِي الأَرْضِ حِبَالَتُهُ، وَمِصْيَدَتُهُ فِي السَّبِيلِ. 11تُرْهِبُهُ
أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ، وَتَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. 12تَكُونُ
قُوَّتُهُ جَائِعَةً وَالْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ. 13يَأْكُلُ
أَعْضَاءَ جَسَدِهِ. يَأْكُلُ أَعْضَاءَهُ بِكْرُ الْمَوْتِ. 14يَنْقَطِعُ
عَنْ خَيْمَتِهِ، عَنِ اعْتِمَادِهِ، وَيُسَاقُ إِلَى مَلِكِ الأَهْوَالِ. 15يَسْكُنُ
فِي خَيْمَتِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ. يُذَرُّ عَلَى مَرْبِضِهِ كِبْرِيتٌ. 16مِنْ
تَحْتُ تَيْبَسُ أُصُولُهُ، وَمِنْ فَوْقُ يُقْطَعُ فَرْعُهُ. 17ذِكْرُهُ
يَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ، وَلاَ اسْمَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَرِّ. 18يُدْفَعُ
مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ، وَمِنَ الْمَسْكُونَةِ يُطْرَدُ. 19لاَ
نَسْلَ وَلاَ عَقِبَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ، وَلاَ شَارِدَ فِي مَحَالِّهِ. 20يَتَعَجَّبُ
مِنْ يَوْمِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَيَقْشَعِرُّ الأَقْدَمُونَ. 21إِنَّمَا
تِلْكَ مَسَاكِنُ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَهذَا مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ اللهَ».
الأصحَاحُ التَّاسِعُ عَشَرَ
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ:
2«حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ
نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلاَمِ؟ 3هذِهِ عَشَرَ مَرَّاتٍ
أَخْزَيْتُمُونِي. لَمْ تَخْجَلُوا مِنْ أَنْ تَحْكِرُونِي. 4وَهَبْنِي
ضَلَلْتُ حَقًّا. عَلَيَّ تَسْتَقِرُّ ضَلاَلَتِي! 5إِنْ كُنْتُمْ
بِالْحَقِّ تَسْتَكْبِرُونَ عَلَيَّ، فَثَبِّتُوا عَلَيَّ عَارِي. 6فَاعْلَمُوا
إِذًا أَنَّ اللهَ قَدْ عَوَّجَنِي، وَلَفَّ عَلَيَّ أُحْبُولَتَهُ. 7هَا
إِنِّي أَصْرُخُ ظُلْمًا فَلاَ أُسْتَجَابُ. أَدْعُو وَلَيْسَ حُكْمٌ. 8قَدْ
حَوَّطَ طَرِيقِي فَلاَ أَعْبُرُ، وَعَلَى سُبُلِي جَعَلَ ظَلاَمًا. 9أَزَالَ
عَنِّي كَرَامَتِي وَنَزَعَ تَاجَ رَأْسِي. 10هَدَمَنِي مِنْ كُلِّ
جِهَةٍ فَذَهَبْتُ، وَقَلَعَ مِثْلَ شَجَرَةٍ رَجَائِي، 11وَأَضْرَمَ
عَلَيَّ غَضَبَهُ، وَحَسِبَنِي كَأَعْدَائِهِ. 12مَعًا جَاءَتْ
غُزَاتُهُ، وَأَعَدُّوا عَلَيَّ طَرِيقَهُمْ، وَحَلُّوا حَوْلَ خَيْمَتِي. 13قَدْ
أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي، وَمَعَارِفِي زَاغُوا عَنِّي. 14أَقَارِبِي
قَدْ خَذَلُونِي، وَالَّذِينَ عَرَفُونِي نَسُونِي. 15نُزَلاَءُ
بَيْتِي وَإِمَائِي يَحْسِبُونَنِي أَجْنَبِيًّا. صِرْتُ فِي أَعْيُنِهِمْ
غَرِيبًا. 16عَبْدِي دَعَوْتُ فَلَمْ يُجِبْ. بِفَمِي تَضَرَّعْتُ
إِلَيْهِ. 17نَكْهَتِي مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ امْرَأَتِي، وَخَمَمْتُ
عِنْدَ أَبْنَاءِ أَحْشَائِي. 18اَلأَوْلاَدُ أَيْضًا قَدْ رَذَلُونِي.
إِذَا قُمْتُ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ. 19كَرِهَنِي كُلُّ رِجَالِي،
وَالَّذِينَ أَحْبَبْتُهُمُ انْقَلَبُوا عَلَيَّ. 20عَظْمِي قَدْ
لَصِقَ بِجِلْدِي وَلَحْمِي، وَنَجَوْتُ بِجِلْدِ أَسْنَانِي. 21تَرَاءَفُوا،
تَرَاءَفُوا أَنْتُمْ عَلَيَّ يَا أَصْحَابِي، لأَنَّ يَدَ اللهِ قَدْ مَسَّتْنِي.
22لِمَاذَا تُطَارِدُونَنِي كَمَا اللهُ، وَلاَ تَشْبَعُونَ مِنْ
لَحْمِي؟
23«لَيْتَ كَلِمَاتِي الآنَ
تُكْتَبُ. يَا لَيْتَهَا رُسِمَتْ فِي سِفْرٍ، 24وَنُقِرَتْ إِلَى
الأَبَدِ فِي الصَّخْرِ بِقَلَمِ حَدِيدٍ وَبِرَصَاصٍ. 25أَمَّا أَنَا
فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ، 26وَبَعْدَ
أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. 27الَّذِي
أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذلِكَ
تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي. 28فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: لِمَاذَا
نُطَارِدُهُ؟ وَالْكَلاَمُ الأَصْلِيُّ يُوجَدُ عِنْدِي. 29خَافُوا
عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنَ السَّيْفِ، لأَنَّ الْغَيْظَ مِنْ آثَامِ السَّيْفِ.
لِكَيْ تَعْلَمُوا مَا هُوَ الْقَضَاءُ».
الأصحَاحُ الْعِشْرُونَ
1فَأَجَابَ صُوفَرُ
النَّعْمَاتِيُّ وَقَالَ: 2«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هَوَاجِسِي تُجِيبُنِي،
وَلِهذَا هَيَجَانِي فِيَّ. 3تَعْيِيرَ تَوْبِيخِي أَسْمَعُ. وَرُوحٌ
مِنْ فَهْمِي يُجِيبُنِي.
4«أَمَا عَلِمْتَ هذَا مِنَ
الْقَدِيمِ، مُنْذُ وُضِعَ الإِنْسَانُ عَلَى الأَرْضِ، 5أَنَّ هُتَافَ
الأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ، وَفَرَحَ الْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَةٍ! 6وَلَوْ
بَلَغَ السَّمَاوَاتِ طُولُهُ، وَمَسَّ رَأْسُهُ السَّحَابَ، 7كَجُلَّتِهِ
إِلَى الأَبَدِ يَبِيدُ. الَّذِينَ رَأَوْهُ يَقُولُونَ: أَيْنَ هُوَ؟ 8كَالْحُلْمِ
يَطِيرُ فَلاَ يُوجَدُ، وَيُطْرَدُ كَطَيْفِ اللَّيْلِ. 9عَيْنٌ
أَبْصَرَتْهُ لاَ تَعُودُ تَرَاهُ، وَمَكَانُهُ لَنْ يَرَاهُ بَعْدُ. 10بَنُوهُ
يَتَرَضَّوْنَ الْفُقَرَاءَ، وَيَدَاهُ تَرُدَّانِ ثَرْوَتَهُ. 11عِظَامُهُ
مَلآنَةٌ شَبِيبَةً، وَمَعَهُ فِي التُّرَابِ تَضْطَجِعُ. 12إِنْ حَلاَ
فِي فَمِهِ الشَّرُّ، وَأَخْفَاهُ تَحْتَ لِسَانِهِ، 13أَشْفَقَ
عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ، بَلْ حَبَسَهُ وَسَطَ حَنَكِهِ، 14فَخُبْزُهُ
فِي أَمْعَائِهِ يَتَحَوَّلُ، مَرَارَةُ أَصْلاَل فِي بَطْنِهِ. 15قَدْ
بَلَعَ ثَرْوَةً فَيَتَقَيَّأُهَا. اللهُ يَطْرُدُهَا مِنْ بَطْنِهِ. 16سَمَّ
الأَصْلاَلِ يَرْضَعُ. يَقْتُلُهُ لِسَانُ الأَفْعَى. 17لاَ يَرَى
الْجَدَاوِلَ أَنْهَارَ سَوَاقِيَ عَسَل وَلَبَنٍ. 18يَرُدُّ تَعَبَهُ
وَلاَ يَبْلَعُهُ. كَمَالٍ تَحْتَ رَجْعٍ. ولاَ يَفْرَحُ. 19لأَنَّهُ
رَضَّضَ الْمَسَاكِينَ، وَتَرَكَهُمْ، وَاغْتَصَبَ بَيْتًا وَلَمْ يَبْنِهِ. 20لأَنَّهُ
لَمْ يَعْرِفْ فِي بَطْنِهِ قَنَاعَةً، لاَ يَنْجُو بِمُشْتَهَاهُ. 21لَيْسَتْ
مِنْ أَكْلِهِ بَقِيَّةٌ، لأَجْلِ ذلِكَ لاَ يَدُومُ خَيْرُهُ. 22مَعَ
مِلْءِ رَغْدِهِ يَتَضَايَقُ. تَأْتِي عَلَيْهِ يَدُ كُلِّ شَقِيٍّ. 23يَكُونُ
عِنْدَمَا يَمْلأُ بَطْنَهُ، أَنَّ اللهَ يُرْسِلُ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ،
وَيُمْطِرُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ طَعَامِهِ. 24يَفِرُّ مِنْ سِلاَحِ
حَدِيدٍ. تَخْرِقُهُ قَوْسُ نُحَاسٍ. 25جَذَبَهُ فَخَرَجَ مِنْ
بَطْنِهِ، وَالْبَارِقُ مِنْ مَرَارَتِهِ مَرَقَ. عَلَيْهِ رُعُوبٌ. 26كُلُّ
ظُلْمَةٍ مُخْتَبَأَةٌ لِذَخَائِرِهِ. تَأْكُلُهُ نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ. تَرْعَى
الْبَقِيَّةَ فِي خَيْمَتِهِ. 27السَّمَاوَاتُ تُعْلِنُ إِثْمَهُ،
وَالأَرْضُ تَنْهَضُ عَلَيْهِ. 28تَزُولُ غَلَّةُ بَيْتِهِ. تُهْرَاقُ
فِي يَوْمِ غَضَبِهِ. 29هذَا نَصِيبُ الإِنْسَانِ الشِّرِّيرِ مِنْ
عِنْدِ اللهِ، وَمِيرَاثُ أَمْرِهِ مِنَ الْقَدِيرِ».
الأصحَاحُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«اِسْمَعُوا
قَوْلِي سَمْعًا، وَلْيَكُنْ هذَا تَعْزِيَتَكُمْ. 3اِحْتَمِلُونِي
وَأَنَا أَتَكَلَّمُ، وَبَعْدَ كَلاَمِي اسْتَهْزِئُوا. 4أَمَّا أَنَا
فَهَلْ شَكْوَايَ مِنْ إِنْسَانٍ، وَإِنْ كَانَتْ، فَلِمَاذَا لاَ تَضِيقُ رُوحِي؟
5تَفَرَّسُوا فِيَّ وَتَعَجَّبُوا وَضَعُوا الْيَدَ عَلَى الْفَمِ.
6«عِنْدَمَا أَتَذَكَّرُ
أَرْتَاعُ، وَأَخَذَتْ بَشَرِي رَعْدَةٌ. 7لِمَاذَا تَحْيَا
الأَشْرَارُ وَيَشِيخُونَ، نَعَمْ وَيَتَجَبَّرُونَ قُوَّةً؟ 8نَسْلُهُمْ
قَائِمٌ أَمَامَهُمْ مَعَهُمْ، وَذُرِّيَّتُهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ. 9بُيُوتُهُمْ
آمِنَةٌ مِنَ الْخَوْفِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ عَصَا اللهِ. 10ثَوْرُهُمْ
يُلْقِحُ وَلاَ يُخْطِئُ. بَقَرَتُهُمْ تُنْتِجُ وَلاَ تُسْقِطُ. 11يُسْرِحُونَ
مِثْلَ الْغَنَمِ رُضَّعَهُمْ، وَأَطْفَالُهُمْ تَرْقُصُ. 12يَحْمِلُونَ
الدُّفَّ وَالْعُودَ، وَيُطْرِبُونَ بِصَوْتِ الْمِزْمَارِ. 13يَقْضُونَ
أَيَّامَهُمْ بِالْخَيْرِ. فِي لَحْظَةٍ يَهْبِطُونَ إِلَى الْهَاوِيَةِ. 14فَيَقُولُونَ
ِللهِ: ابْعُدْ عَنَّا، وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ. 15مَنْ
هُوَ الْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ؟ وَمَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ الْتَمَسْنَاهُ؟
16«هُوَذَا لَيْسَ فِي يَدِهِمْ
خَيْرُهُمْ. لِتَبْعُدْ عَنِّي مَشُورَةُ الأَشْرَارِ. 17كَمْ
يَنْطَفِئُ سِرَاجُ الأَشْرَارِ، وَيَأْتِي عَلَيْهِمْ بَوَارُهُمْ؟ أَوْ يَقْسِمُ
لَهُمْ أَوْجَاعًا فِي غَضَبِهِ؟ 18أَوْ يَكُونُونَ كَالتِّبْنِ
قُدَّامَ الرِّيحِ، وَكَالْعُصَافَةِ الَّتِي تَسْرِقُهَا الزَّوْبَعَةُ؟ 19اَللهُ
يَخْزِنُ إِثْمَهُ لِبَنِيهِ. لِيُجَازِهِ نَفْسَهُ فَيَعْلَمَ. 20لِتَنْظُرْ
عَيْنَاهُ هَلاَكَهُ، وَمِنْ حُمَةِ الْقَدِيرِ يَشْرَبْ. 21فَمَا هِيَ
مَسَرَّتُهُ فِي بَيْتِهِ بَعْدَهُ، وَقَدْ تَعَيَّنَ عَدَدُ شُهُورِهِ؟
22«أَاللهُ يُعَلَّمُ
مَعْرِفَةً، وَهُوَ يَقْضِي عَلَى الْعَالِينَ؟ 23هذَا يَمُوتُ فِي
عَيْنِ كَمَالِهِ. كُلُّهُ مُطْمَئِنٌّ وَسَاكِنٌ. 24أَحْوَاضُهُ
مَلآنَةٌ لَبَنًا، وَمُخُّ عِظَامِهِ طَرِيٌّ. 25وَذلِكَ يَمُوتُ
بِنَفْسٍ مُرَّةٍ وَلَمْ يَذُقْ خَيْرًا. 26كِلاَهُمَا يَضْطَجِعَانِ
مَعًا فِي التُّرَابِ وَالدُّودُ يَغْشَاهُمَا.
27«هُوَذَا قَدْ عَلِمْتُ
أَفْكَارَكُمْ وَالنِّيَّاتِ الَّتِي بِهَا تَظْلِمُونَنِي. 28لأَنَّكُمْ
تَقُولُونَ: أَيْنَ بَيْتُ الْعَاتِي؟ وَأَيْنَ خَيْمَةُ مَسَاكِنِ الأَشْرَارِ؟ 29أَفَلَمْ
تَسْأَلُوا عَابِرِي السَّبِيلِ، وَلَمْ تَفْطِنُوا لِدَلاَئِلِهِمْ؟ 30إِنَّهُ
لِيَوْمِ الْبَوَارِ يُمْسَكُ الشِّرِّيرُ. لِيَوْمِ السَّخَطِ يُقَادُونَ. 31مَنْ
يُعْلِنُ طَرِيقَهُ لِوَجْهِهِ؟ وَمَنْ يُجَازِيهِ عَلَى مَا عَمِلَ؟ 32هُوَ
إِلَى الْقُبُورِ يُقَادُ، وَعَلَى الْمَدْفَنِ يُسْهَرُ. 33حُلْوٌ
لَهُ مَدَرُ الْوَادِي. يَزْحَفُ كُلُّ إِنْسَانٍ وَرَاءَهُ، وَقُدَّامَهُ مَا لاَ
عَدَدَ لَهُ. 34فَكَيْفَ تُعَزُّونَنِي بَاطِلاً وَأَجْوِبَتُكُمْ
بَقِيَتْ خِيَانَةً؟».
الأصحَاحُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ
1فَأَجَابَ أَلِيفَازُ
التَّيْمَانِيُّ وَقَالَ: 2«هَلْ يَنْفَعُ الإِنْسَانُ اللهَ؟ بَلْ
يَنْفَعُ نَفْسَهُ الْفَطِنُ! 3هَلْ مِنْ مَسَرَّةٍ لِلْقَدِيرِ إِذَا
تَبَرَّرْتَ، أَوْ مِنْ فَائِدَةٍ إِذَا قَوَّمْتَ طُرُقَكَ؟ 4هَلْ
عَلَى تَقْوَاكَ يُوَبِّخُكَ، أَوْ يَدْخُلُ مَعَكَ فِي الْمُحَاكَمَةِ؟ 5أَلَيْسَ
شَرُّكَ عَظِيمًا، وَآثَامُكَ لاَ نِهَايَةَ لَهَا؟ 6لأَنَّكَ
ارْتَهَنْتَ أَخَاكَ بِلاَ سَبَبٍ، وَسَلَبْتَ ثِيَابَ الْعُرَاةِ. 7مَاءً
لَمْ تَسْقِ الْعَطْشَانَ، وَعَنِ الْجَوْعَانِ مَنَعْتَ خُبْزًا. 8أَمَّا
صَاحِبُ الْقُوَّةِ فَلَهُ الأَرْضُ، وَالْمُتَرَفِّعُ الْوَجْهِ سَاكِنٌ فِيهَا. 9الأَرَامِلَ
أَرْسَلْتَ خَالِيَاتٍ، وَذِرَاعُ الْيَتَامَى انْسَحَقَتْ. 10لأَجْلِ
ذلِكَ حَوَالَيْكَ فِخَاخٌ، وَيُرِيعُكَ رُعْبٌ بَغْتَةً 11أَوْ
ظُلْمَةٌ فَلاَ تَرَى، وَفَيْضُ الْمِيَاهِ يُغَطِّيكَ.
12«هُوَذَا اللهُ فِي عُلُوِّ
السَّمَاوَاتِ. وَانْظُرْ رَأْسَ الْكَوَاكِبِ مَا أَعْلاَهُ! 13فَقُلْتَ:
كَيْفَ يَعْلَمُ اللهُ؟ هَلْ مِنْ وَرَاءِ الضَّبَابِ يَقْضِي؟ 14السَّحَابُ
سِتْرٌ لَهُ فَلاَ يُرَى، وَعَلَى دَائِرَةِ السَّمَاوَاتِ يَتَمَشَّى. 15هَلْ
تَحْفَظُ طَرِيقَ الْقِدَمِ الَّذِي دَاسَهُ رِجَالُ الإِثْمِ، 16الَّذِينَ
قُبِضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْوَقْتِ؟ الْغَمْرُ انْصَبَّ عَلَى أَسَاسِهِمِ. 17الْقَائِلِينَ
ِللهِ: ابْعُدْ عَنَّا. وَمَاذَا يَفْعَلُ الْقَدِيرُ لَهُمْ؟ 18وَهُوَ
قَدْ مَلأَ بُيُوتَهُمْ خَيْرًا. لِتَبْعُدْ عَنِّي مَشُورَةُ الأَشْرَارِ. 19الأَبْرَارُ
يَنْظُرُونَ وَيَفْرَحُونَ، وَالْبَرِيءُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ قَائِلِينَ: 20أَلَمْ
يُبَدْ مُقَاوِمُونَا، وَبَقِيَّتُهُمْ قَدْ أَكَلَتْهَا النَّارُ؟
21«تَعَرَّفْ بِهِ وَاسْلَمْ.
بِذلِكَ يَأْتِيكَ خَيْرٌ. 22اقْبَلِ الشَّرِيعَةَ مِنْ فِيهِ، وَضَعْ
كَلاَمَهُ فِي قَلْبِكَ. 23إِنْ رَجَعْتَ إِلَى الْقَدِيرِ تُبْنَى.
إِنْ أَبْعَدْتَ ظُلْمًا مِنْ خَيْمَتِكَ، 24وَأَلْقَيْتَ التِّبْرَ
عَلَى التُّرَابِ وَذَهَبَ أُوفِيرَ بَيْنَ حَصَا الأَوْدِيَةِ. 25يَكُونُ
الْقَدِيرُ تِبْرَكَ وَفِضَّةَ أَتْعَابٍ لَكَ، 26لأَنَّكَ حِينَئِذٍ
تَتَلَذَّذُ بِالْقَدِيرِ وَتَرْفَعُ إِلَى اللهِ وَجْهَكَ. 27تُصَلِّي
لَهُ فَيَسْتَمِعُ لَكَ، وَنُذُورُكَ تُوفِيهَا. 28وَتَجْزِمُ أَمْرًا
فَيُثَبَّتُ لَكَ، وَعَلَى طُرُقِكَ يُضِيءُ نُورٌ. 29إِذَا وُضِعُوا
تَقُولُ: رَفْعٌ. وَيُخَلِّصُ الْمُنْخَفِضَ الْعَيْنَيْنِ. 30يُنَجِّي
غَيْرَ الْبَرِيءِ وَيُنْجَى بِطَهَارَةِ يَدَيْكَ».
الأصحَاحُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«الْيَوْمَ
أَيْضًا شَكْوَايَ تَمَرُّدٌ. ضَرْبَتِي أَثْقَلُ مِنْ تَنَهُّدِي. 3مَنْ
يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ، فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ، 4أُحْسِنُ
الدَّعْوَى أَمَامَهُ، وَأَمْلأُ فَمِي حُجَجًا، 5فَأَعْرِفُ
الأَقْوَالَ الَّتِي بِهَا يُجِيبُنِي، وَأَفْهَمُ مَا يَقُولُهُ لِي؟ 6أَبِكَثْرَةِ
قُوَّةٍ يُخَاصِمُنِي؟ كَلاَّّ! وَلكِنَّهُ كَانَ يَنْتَبِهُ إِلَيَّ. 7هُنَالِكَ
كَانَ يُحَاجُّهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَكُنْتُ أَنْجُو إِلَى الأَبَدِ مِنْ قَاضِيَّ.
8هأَنَذَا أَذْهَبُ شَرْقًا فَلَيْسَ هُوَ هُنَاكَ، وَغَرْبًا فَلاَ
أَشْعُرُ بِهِ. 9شِمَالاً حَيْثُ عَمَلُهُ فَلاَ أَنْظُرُهُ.
يَتَعَطَّفُ الْجَنُوبَ فَلاَ أَرَاهُ.
10«لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي.
إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ. 11بِخَطَوَاتِهِ اسْتَمْسَكَتْ
رِجْلِي. حَفِظْتُ طَرِيقَهُ وَلَمْ أَحِدْ. 12مِنْ وَصِيَّةِ
شَفَتَيْهِ لَمْ أَبْرَحْ. أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَتِي ذَخَرْتُ كَلاَمَ فِيهِ. 13أَمَّا
هُوَ فَوَحْدَهُ، فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَنَفْسُهُ تَشْتَهِي فَيَفْعَلُ. 14لأَنَّهُ
يُتَمِّمُ الْمَفْرُوضَ عَلَيَّ، وَكَثِيرٌ مِثْلُ هذِهِ عِنْدَهُ. 15مِنْ
أَجْلِ ذلِكَ أَرْتَاعُ قُدَّامَهُ. أَتَأَمَّلُ فَأَرْتَعِبُ مِنْهُ. 16لأَنَّ
اللهَ قَدْ أَضْعَفَ قَلْبِي، وَالْقَدِيرَ رَوَّعَنِي. 17لأَنِّي لَمْ
أُقْطَعْ قَبْلَ الظَّلاَمِ، وَمِنْ وَجْهِي لَمْ يُغَطِّ الدُّجَى.
الأصحَاحُ الرَّابعُ وَالْعِشرُونَ
1«لِمَاذَا إِذْ لَمْ
تَخْتَبِئِ الأَزْمِنَةُ مِنَ الْقَدِيرِ، لاَ يَرَى عَارِفُوهُ يَوْمَهُ؟ 2يَنْقُلُونَ
التُّخُومَ. يَغْتَصِبُونَ قَطِيعًا وَيَرْعَوْنَهُ. 3يَسْتَاقُونَ
حِمَارَ الْيَتَامَى، وَيَرْتَهِنُونَ ثَوْرَ الأَرْمَلَةِ. 4يَصُدُّونَ
الْفُقَرَاءَ عَنِ الطَّرِيقِ. مَسَاكِينُ الأَرْضِ يَخْتَبِئُونَ جَمِيعًا. 5هَا
هُمْ كَالْفَرَاءِ فِي الْقَفْرِ يَخْرُجُونَ إِلَى عَمَلِهِمْ يُبَكِّرُونَ
لِلطَّعَامِ. الْبَادِيَةُ لَهُمْ خُبْزٌ لأَوْلاَدِهِمْ. 6فِي
الْحَقْلِ يَحْصُدُونَ عَلَفَهُمْ، وَيُعَلِّلُونَ كَرْمَ الشِّرِّيرِ. 7يَبِيتُونَ
عُرَاةً بِلاَ لِبْسٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ كَسْوَةٌ فِي الْبَرْدِ. 8يَبْتَلُّونَ
مِنْ مَطَرِ الْجِبَالِ، وَلِعَدَمِ الْمَلْجَإِ يَعْتَنِقُونَ الصَّخْرَ.
9«يَخْطَفُونَ الْيَتِيمَ عَنِ
الثُّدِيِّ، وَمِنَ الْمَسَاكِينِ يَرْتَهِنُونَ. 10عُرَاةً
يَذْهَبُونَ بِلاَ لِبْسٍ، وَجَائِعِينَ يَحْمِلُونَ حُزَمًا. 11يَعْصِرُونَ
الزَّيْتَ دَاخِلَ أَسْوَارِهِمْ. يَدُوسُونَ الْمَعَاصِرَ وَيَعْطَشُونَ. 12مِنَ
الْوَجَعِ أُنَاسٌ يَئِنُّونَ، وَنَفْسُ الْجَرْحَى تَسْتَغِيثُ، وَاللهُ لاَ
يَنْتَبِهُ إِلَى الظُّلْمِ.
13«أُولئِكَ يَكُونُونَ بَيْنَ
الْمُتَمَرِّدِينَ عَلَى النُّورِ. لاَ يَعْرِفُونَ طُرُقَهُ وَلاَ يَلْبَثُونَ
فِي سُبُلِهِ. 14مَعَ النُّورِ يَقُومُ الْقَاتِلُ، يَقْتُلُ
الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ، وَفِي اللَّيْلِ يَكُونُ كَاللِّصِّ. 15وَعَيْنُ
الزَّانِي تُلاَحِظُ الْعِشَاءَ. يَقُولُ: لاَ تُرَاقِبُنِي عَيْنٌ. فَيَجْعَلُ
سِتْرًا عَلَى وَجْهِهِ. 16يَنْقُبُونَ الْبُيُوتَ فِي الظَّلاَمِ. فِي
النَّهَارِ يُغْلِقُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. لاَ يَعْرِفُونَ النُّورَ. 17لأَنَّهُ
سَوَاءٌ عَلَيْهِمُ الصَّبَاحُ وَظِلُّ الْمَوْتِ. لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ
أَهْوَالَ ظِلِّ الْمَوْتِ. 18خَفِيفٌ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ.
مَلْعُونٌ نَصِيبُهُمْ فِي الأَرْضِ. لاَ يَتَوَجَّهُ إِلَى طَرِيقِ الْكُرُومِ. 19الْقَحْطُ
وَالْقَيْظُ يَذْهَبَانِ بِمِيَاهِ الثَّلْجِ، كَذَا الْهَاوِيَةُ بِالَّذِينَ
أَخْطَأُوا. 20تَنْسَاهُ الرَّحِمُ، يَسْتَحْلِيهِ الدُّودُ. لاَ
يُذْكَرُ بَعْدُ، وَيَنْكَسِرُ الأَثِيمُ كَشَجَرَةٍ. 21يُسِيءُ إِلَى
الْعَاقِرِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ، وَلاَ يُحْسِنُ إِلَى الأَرْمَلَةِ. 22يُمْسِكُ
الأَعِزَّاءَ بِقُوَّتِهِ. يَقُومُ فَلاَ يَأْمَنُ أَحَدٌ بِحَيَاتِهِ. 23يُعْطِيهِ
طُمَأْنِينَةً فَيَتَوَكَّلُ، وَلكِنْ عَيْنَاهُ عَلَى طُرُقِهِمْ. 24يَتَرَفَّعُونَ
قَلِيلاً ثُمَّ لاَ يَكُونُونَ وَيُحَطُّونَ. كَالْكُلِّ يُجْمَعُونَ، وَكَرَأْسِ
السُّنْبُلَةِ يُقْطَعُونَ. 25وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَا، فَمَنْ
يُكَذِّبُنِي وَيَجْعَلُ كَلاَمِي لاَ شَيْئًا؟».
الأصحَاحُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ
1فَأَجَابَ بِلْدَدُ
الشُّوحِيُّ وَقَالَ: 2«السُّلْطَانُ وَالْهَيْبَةُ عِنْدَهُ. هُوَ
صَانِعُ السَّلاَمِ فِي أَعَالِيهِ. 3هَلْ مِنْ عَدَدٍ لِجُنُودِهِ؟
وَعَلَى مَنْ لاَ يُشْرِقُ نُورُهُ؟ 4فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ
عِنْدَ اللهِ؟ وَكَيْفَ يَزْكُو مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ؟ 5هُوَذَا
نَفْسُ الْقَمَرِ لاَ يُضِيءُ، وَالْكَوَاكِبُ غَيْرُ نَقِيَّةٍ فِي عَيْنَيْهِ. 6فَكَمْ
بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ، وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ؟».
الأصحَاحُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«كَيْفَ
أَعَنْتَ مَنْ لاَ قُوَّةَ لَهُ، وَخَلَّصْتَ ذِرَاعًا لاَ عِزَّ لَهَا؟ 3كَيْفَ
أَشَرْتَ عَلَى مَنْ لاَ حِكْمَةَ لَهُ، وَأَظْهَرْتَ الْفَهْمَ بِكَثْرَةٍ؟ 4لِمَنْ
أَعْلَنْتَ أَقْوَالاً، وَنَسَمَةُ مَنْ خَرَجَتْ مِنْكَ؟
5«اَلأَخْيِلَةُ تَرْتَعِدُ
مِنْ تَحْتِ الْمِيَاهِ وَسُكَّانِهَا. 6الْهَاوِيَةُ عُرْيَانَةٌ
قُدَّامَهُ، وَالْهَلاَكُ لَيْسَ لَهُ غِطَاءٌ. 7يَمُدُّ الشَّمَالَ
عَلَى الْخَلاَءِ، وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ. 8يَصُرُّ
الْمِيَاهَ فِي سُحُبِهِ فَلاَ يَتَمَزَّقُ الْغَيْمُ تَحْتَهَا. 9يَحْجِبُ
وَجْهَ كُرْسِيِّهِ بَاسِطًا عَلَيْهِ سَحَابَهُ. 10رَسَمَ حَدًّا
عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ عِنْدَ اتِّصَالِ النُّورِ بِالظُّلْمَةِ. 11أَعْمِدَةُ
السَّمَاوَاتِ تَرْتَعِدُ وَتَرْتَاعُ مِنْ زَجْرِهِ. 12بِقُوَّتِهِ
يُزْعِجُ الْبَحْرَ، وَبِفَهْمِهِ يَسْحَقُ رَهَبَ. 13بِنَفْخَتِهِ
السَّمَاوَاتُ مُسْفِرَةٌ وَيَدَاهُ أَبْدَأَتَا الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. 14هَا
هذِهِ أَطْرَافُ طُرُقِهِ، وَمَا أَخْفَضَ الْكَلاَمَ الَّذِي نَسْمَعُهُ مِنْهُ
وَأَمَّا رَعْدُ جَبَرُوتِهِ فَمَنْ يَفْهَمُ؟».
الأصحَاحُ السَّابعُ وَالْعِشْرُونَ
1وَعَادَ أَيُّوبُ يَنْطِقُ
بِمَثَلِهِ فَقَالَ: 2«حَيٌّ هُوَ اللهُ الَّذِي نَزَعَ حَقِّي،
وَالْقَدِيرُ الَّذِي أَمَرَّ نَفْسِي، 3إِنَّهُ مَا دَامَتْ نَسَمَتِي
فِيَّ، وَنَفْخَةُ اللهِ فِي أَنْفِي، 4لَنْ تَتَكَلَّمَ شَفَتَايَ
إِثْمًا، وَلاَ يَلْفِظَ لِسَانِي بِغِشٍّ. 5حَاشَا لِي أَنْ
أُبَرِّرَكُمْ! حَتَّى أُسْلِمَ الرُّوحَ لاَ أَعْزِلُ كَمَالِي عَنِّي. 6تَمَسَّكْتُ
بِبِرِّي وَلاَ أَرْخِيهِ. قَلْبِي لاَ يُعَيِّرُ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِي. 7لِيَكُنْ
عَدُوِّي كَالشِّرِّيرِ، وَمُعَانِدِي كَفَاعِلِ الشَّرِّ. 8لأَنَّهُ
مَا هُوَ رَجَاءُ الْفَاجِرِ عِنْدَمَا يَقْطَعُهُ، عِنْدَمَا يَسْلِبُ اللهُ
نَفْسَهُ؟ 9أَفَيَسْمَعُ اللهُ صُرَاخَهُ إِذَا جَاءَ عَلَيْهِ ضِيقٌ؟ 10أَمْ
يَتَلَذَّذُ بِالْقَدِيرِ؟ هَلْ يَدْعُو اللهَ فِي كُلِّ حِينٍ؟
11«إِنِّي أُعَلِّمُكُمْ بِيَدِ
اللهِ. لاَ أَكْتُمُ مَا هُوَ عِنْدَ الْقَدِيرِ. 12هَا أَنْتُمْ
كُلُّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ، فَلِمَاذَا تَتَبَطَّلُونَ تَبَطُّلاً؟ قَائِلِينَ: 13هذَا
نَصِيبُ الإِنْسَانِ الشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَمِيرَاثُ الْعُتَاةِ
الَّذِي يَنَالُونَهُ مِنَ الْقَدِيرِ. 14إِنْ كَثُرَ بَنُوهُ
فَلِلسَّيْفِ، وَذُرِّيَّتُهُ لاَ تَشْبَعُ خُبْزًا. 15بَقِيَّتُهُ
تُدْفَنُ بِالْمَوْتَانِ، وَأَرَامِلُهُ لاَ تَبْكِي. 16إِنْ كَنَزَ
فِضَّةً كَالتُّرَابِ، وَأَعَدَّ مَلاَبِسَ كَالطِّينِ، 17فَهُوَ
يُعِدُّ وَالْبَارُّ يَلْبَسُهُ، وَالْبَرِئُ يَقْسِمُ الْفِضَّةَ. 18يَبْنِي
بَيْتَهُ كَالْعُثِّ، أَوْ كَمَظَلَّةٍ صَنَعَهَا النَّاطُورُ. 19يَضْطَجعُ
غَنِيًّا وَلكِنَّهُ لاَ يُضَمُّ. يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَلاَ يَكُونُ. 20الأَهْوَالُ
تُدْرِكُهُ كَالْمِيَاهِ. لَيْلاً تَخْتَطِفُهُ الزَّوْبَعَةُ. 21تَحْمِلُهُ
الشَّرْقِيَّةُ فَيَذْهَبُ، وَتَجْرُفُهُ مِنْ مَكَانِهِ. 22يُلْقِي
اللهُ عَلَيْهِ وَلاَ يُشْفِقُ. مِنْ يَدِهِ يَهْرُبُ هَرْبًا. 23يَصْفِقُونَ
عَلَيْهِ بِأَيْدِيهِمْ، وَيَصْفِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَانِهِ.
الأصحَاحُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ
1«لأَنَّهُ يُوجَدُ
لِلْفِضَّةِ مَعْدَنٌ، وَمَوْضِعٌ لِلذَّهَبِ حَيْثُ يُمَحِّصُونَهُ. 2الْحَدِيدُ
يُسْتَخْرَجُ مِنَ التُّرَابِ، وَالْحَجَرُ يَسْكُبُ نُحَاسًا. 3قَدْ
جَعَلَ لِلظُّلْمَةِ نَهَايَةً، وَإِلَى كُلِّ طَرَفٍ هُوَ يَفْحَصُ. حَجَرَ
الظُّلْمَةِ وَظِلَّ الْمَوْتِ. 4حَفَرَ مَنْجَمًا بَعِيدًا عَنِ
السُّكَّانِ. بِلاَ مَوْطِئٍ لِلْقَدَمِ، مُتَدَلِّينَ بَعِيدِينَ مِنَ النَّاسِ
يَتَدَلْدَلُونَ. 5أَرْضٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْخُبْزُ، أَسْفَلُهَا
يَنْقَلِبُ كَمَا بِالنَّارِ. 6حِجَارَتُهَا هِيَ مَوْضِعُ الْيَاقُوتِ
الأَزْرَقِ، وَفِيهَا تُرَابُ الذَّهَبِ. 7سَبِيلٌ لَمْ يَعْرِفْهُ
كَاسِرٌ، وَلَمْ تُبْصِرْهُ عَيْنُ بَاشِق، 8وَلَمْ تَدُسْهُ أَجْرَاءُ
السَّبْعِ، وَلَمْ يَعْدُهُ الزَّائِرُ. 9إِلَى الصَّوَّانِ يَمُدُّ
يَدَهُ. يَقْلِبُ الْجِبَالَ مِنْ أُصُولِهَا. 10يَنْقُرُ فِي
الصُّخُورِ سَرَبًا، وَعَيْنُهُ تَرَى كُلَّ ثَمِينٍ. 11يَمْنَعُ
رَشْحَ الأَنْهَارِ، وَأَبْرَزَ الْخَفِيَّاتِ إِلَى النُّورِ.
12«أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ
أَيْنَ تُوجَدُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟ 13لاَ يَعْرِفُ
الإِنْسَانُ قِيمَتَهَا وَلاَ تُوجَدُ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ. 14الْغَمْرُ
يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ فِيَّ، وَالْبَحْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ عِنْدِي. 15لاَ
يُعْطَى ذَهَبٌ خَالِصٌ بَدَلَهَا، وَلاَ تُوزَنُ فِضَّةٌ ثَمَنًا لَهَا. 16لاَ
تُوزَنُ بِذَهَبِ أُوفِيرَ أَوْ بِالْجَزْعِ الْكَرِيمِ أَوِ الْيَاقُوتِ
الأَزْرَقِ. 17لاَ يُعَادِلُهَا الذَّهَبُ وَلاَ الزُّجَاجُ، وَلاَ
تُبْدَلُ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ إِبْرِيزٍ. 18لاَ يُذْكَرُ الْمَرْجَانُ أَوِ
الْبَلُّوْرُ، وَتَحْصِيلُ الْحِكْمَةِ خَيْرٌ مِنَ اللّآلِئِ. 19لاَ
يُعَادِلُهَا يَاقُوتُ كُوشٍ الأَصْفَرُ، وَلاَ تُوزَنُ بِالذَّهَبِ الْخَالِصِ.
20«فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي
الْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟ 21إِذْ أُخْفِيَتْ عَنْ
عُيُونِ كُلِّ حَيٍّ، وَسُتِرَتْ عَنْ طَيْرِ السَّمَاءِ. 22اَلْهَلاَكُ
وَالْمَوْتُ يَقُولاَنِ: بِآذَانِنَا قَدْ سَمِعْنَا خَبَرَهَا. 23اَللهُ
يَفْهَمُ طَرِيقَهَا، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَكَانِهَا. 24لأَنَّهُ هُوَ
يَنْظُرُ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ يَرَى. 25لِيَجْعَلَ
لِلرِّيحِ وَزْنًا، وَيُعَايِرَ الْمِيَاهَ بِمِقْيَاسٍ. 26لَمَّا
جَعَلَ لِلْمَطَرِ فَرِيضَةً، وَمَذْهَبًا لِلصَّوَاعِقِ، 27حِينَئِذٍ
رَآهَا وَأَخْبَرَ بِهَا، هَيَّأَهَا وَأَيْضًا بَحَثَ عَنْهَا، 28وَقَالَ
لِلإِنْسَانِ: هُوَذَا مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ، وَالْحَيَدَانُ عَنِ
الشَّرِّ هُوَ الْفَهْمُ».
الأصحَاحُ التَاسِعُ وَالْعِشْرُونَ
1وَعَادَ أَيُّوبُ يَنْطِقُ
بِمَثَلِهِ فَقَالَ: 2«يَا لَيْتَنِي كَمَا فِي الشُّهُورِ
السَّالِفَةِ وَكَالأَيَّامِ الَّتِي حَفِظَنِي اللهُ فِيهَا، 3حِينَ
أَضَاءَ سِرَاجَهُ عَلَى رَأْسِي، وَبِنُورِهِ سَلَكْتُ الظُّلْمَةَ. 4كَمَا
كُنْتُ فِي أَيَّامِ خَرِيفِي، وَرِضَا اللهِ عَلَى خَيْمَتِي، 5وَالْقَدِيرُ
بَعْدُ مَعِي وَحَوْلِي غِلْمَانِي، 6إِذْ غَسَلْتُ خَطَوَاتِي
بِاللَّبَنِ، وَالصَّخْرُ سَكَبَ لِي جَدَاوِلَ زَيْتٍ. 7حِينَ كُنْتُ
أَخْرُجُ إِلَى الْبَابِ فِي الْقَرْيَةِ، وَأُهَيِّئُ فِي السَّاحَةِ مَجْلِسِي. 8رَآنِي
الْغِلْمَانُ فَاخْتَبَأُوا، وَالأَشْيَاخُ قَامُوا وَوَقَفُوا. 9الْعُظَمَاءُ
أَمْسَكُوا عَنِ الْكَلاَمِ، وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ. 10صَوْتُ
الشُّرَفَاءِ اخْتَفَى، وَلَصِقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِأَحْنَاكِهِمْ. 11لأَنَّ
الأُذُنَ سَمِعَتْ فَطَوَّبَتْنِي، وَالْعَيْنَ رَأَتْ فَشَهِدَتْ لِي، 12لأَنِّي
أَنْقَذْتُ الْمِسْكِينَ الْمُسْتَغِيثَ وَالْيَتِيمَ وَلاَ مُعِينَ لَهُ. 13بَرَكَةُ
الْهَالِكِ حَلَّتْ عَلَيَّ، وَجَعَلْتُ قَلْبَ الأَرْمَلَةِ يُسَرُّ. 14لَبِسْتُ
الْبِرَّ فَكَسَانِي. كَجُبَّةٍ وَعَمَامَةٍ كَانَ عَدْلِي. 15كُنْتُ
عُيُونًا لِلْعُمْيِ، وَأَرْجُلاً لِلْعُرْجِ. 16أَبٌ أَنَا
لِلْفُقَرَاءِ، وَدَعْوَى لَمْ أَعْرِفْهَا فَحَصْتُ عَنْهَا. 17هَشَّمْتُ
أَضْرَاسَ الظَّالِمِ، وَمِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ خَطَفْتُ الْفَرِيسَةَ. 18فَقُلْتُ:
إِنِّي فِي وَكْرِي أُسَلِّمُ الرُّوحَ، وَمِثْلَ السَّمَنْدَلِ أُكَثِّرُ
أَيَّامًا. 19أَصْلِي كَانَ مُنْبَسِطًا إِلَى الْمِيَاهِ، وَالطَّلُّ
بَاتَ عَلَى أَغْصَانِي. 20كَرَامَتِي بَقِيَتْ حَدِيثَةً عِنْدِي،
وَقَوْسِي تَجَدَّدَتْ فِي يَدِي. 21لِي سَمِعُوا وَانْتَظَرُوا،
وَنَصَتُوا عِنْدَ مَشُورَتِي. 22بَعْدَ كَلاَمِي لَمْ يُثَنُّوا،
وَقَوْلِي قَطَرَ عَلَيْهِمْ. 23وَانْتَظَرُونِي مِثْلَ الْمَطَرِ،
وَفَغَرُوا أَفْوَاهَهُمْ كَمَا لِلْمَطَرِ الْمُتَأَخِّرِ. 24إِنْ
ضَحِكْتُ عَلَيْهِمْ لَمْ يُصَدِّقُوا، وَنُورَ وَجْهِي لَمْ يُعَبِّسُوا. 25كُنْتُ
أَخْتَارُ طَرِيقَهُمْ وَأَجْلِسُ رَأْسًا، وَأَسْكُنُ كَمَلِكٍ فِي جَيْشٍ،
كَمَنْ يُعَزِّي النَّائِحِينَ.
الأصحَاحُ الثَّلاَثُونَ
1«وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ
ضَحِكَ عَلَيَّ أَصَاغِرِي أَيَّامًا، الَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ
أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي. 2قُوَّةُ أَيْدِيهِمْ
أَيْضًا مَا هِيَ لِي. فِيهِمْ عَجِزَتِ الشَّيْخُوخَةُ. 3فِي
الْعَوَزِ وَالْمَحْلِ مَهْزُولُونَ، عَارِقُونَ الْيَابِسَةَ الَّتِي هِيَ مُنْذُ
أَمْسِ خَرَابٌ وَخَرِبَةٌ. 4الَّذِينَ يَقْطِفُونَ الْمَلاَّحَ عِنْدَ
الشِّيحِ، وَأُصُولُ الرَّتَمِ خُبْزُهُمْ. 5مِنَ الْوَسَطِ
يُطْرَدُونَ. يَصِيحُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَى لِصٍّ. 6لِلسَّكَنِ
فِي أَوْدِيَةٍ مُرْعِبَةٍ وَثُقَبِ التُّرَابِ وَالصُّخُورِ. 7بَيْنَ
الشِّيحِ يَنْهَقُونَ. تَحْتَ الْعَوْسَجِ يَنْكَبُّونَ. 8أَبْنَاءُ
الْحَمَاقَةِ، بَلْ أَبْنَاءُ أُنَاسٍ بِلاَ اسْمٍ، سِيطُوا مِنَ الأَرْضِ.
9«أَمَّا الآنَ فَصِرْتُ
أُغْنِيَتَهُمْ، وَأَصْبَحْتُ لَهُمْ مَثَلاً! 10يَكْرَهُونَنِي.
يَبْتَعِدُونَ عَنِّي، وَأَمَامَ وَجْهِي لَمْ يُمْسِكُوا عَنِ الْبَصْقِ. 11لأَنَّهُ
أَطْلَقَ الْعَنَانَ وَقَهَرَنِي، فَنَزَعُوا الزِّمَامَ قُدَّامِي. 12عَنِ
الْيَمِينِ الْفُرُوخُ يَقُومُونَ يُزِيحُونَ رِجْلِي، وَيُعِدُّونَ عَلَيَّ
طُرُقَهُمْ لِلْبَوَارِ. 13أَفْسَدُوا سُبُلِي. أَعَانُوا عَلَى
سُقُوطِي. لاَ مُسَاعِدَ عَلَيْهِمْ. 14يَأْتُونَ كَصَدْعٍ عَرِيضٍ.
تَحْتَ الْهَدَّةِ يَتَدَحْرَجُونَ. 15اِنْقَلَبَتْ عَلَيَّ أَهْوَالٌ.
طَرَدَتْ كَالرِّيحِ نِعْمَتِي، فَعَبَرَتْ كَالسَّحَابِ سَعَادَتِي.
16«فَالآنَ انْهَالَتْ نَفْسِي
عَلَيَّ، وَأَخَذَتْنِي أَيَّامُ الْمَذَلَّةِ. 17اللَّيْلَ يَنْخَرُ
عِظَامِي فِيَّ، وَعَارِقِيَّ لاَ تَهْجَعُ. 18بِكَثْرَةِ الشِّدَّةِ
تَنَكَّرَ لِبْسِي. مِثْلَ جَيْبِ قَمِيصِي حَزَمَتْنِي. 19قَدْ
طَرَحَنِي فِي الْوَحْلِ، فَأَشْبَهْتُ التُّرَابَ وَالرَّمَادَ. 20إِلَيْكَ
أَصْرُخُ فَمَا تَسْتَجِيبُ لِي. أَقُومُ فَمَا تَنْتَبِهُ إِلَيَّ. 21تَحَوَّلْتَ
إِلَى جَافٍ مِنْ نَحْوِي. بِقُدْرَةِ يَدِكَ تَضْطَهِدُنِي. 22حَمَلْتَنِي،
أَرْكَبْتَنِي الرِّيحَ وَذَوَّبْتَنِي تَشَوُّهًا. 23لأَنِّي أَعْلَمُ
أَنَّكَ إِلَى الْمَوْتِ تُعِيدُنِي، وَإِلَى بَيْتِ مِيعَادِ كُلِّ حَيٍّ. 24وَلكِنْ
فِي الْخَرَابِ أَلاَ يَمُدُّ يَدًا؟ فِي الْبَلِيَّةِ أَلاَ يَسْتَغِيثُ
عَلَيْهَا؟
25«أَلَمْ أَبْكِ لِمَنْ عَسَرَ
يَوْمُهُ؟ أَلَمْ تَكْتَئِبْ نَفْسِي عَلَى الْمِسْكِينِ؟ 26حِينَمَا
تَرَجَّيْتُ الْخَيْرَ جَاءَ الشَّرُّ، وَانْتَظَرْتُ النُّورَ فَجَاءَ الدُّجَى. 27أَمْعَائِي
تَغْلِي وَلاَ تَكُفُّ. تَقَدَّمَتْنِي أَيَّامُ الْمَذَلَّةِ. 28اِسْوَدَدْتُ
لكِنْ بِلاَ شَمْسٍ. قُمْتُ فِي الْجَمَاعَةِ أَصْرُخُ. 29صِرْتُ أَخًا
لِلذِّئَابِ، وَصَاحِبًا لِرِئَالِ النَّعَامِ. 30حَرِشَ جِلْدِي
عَلَيَّ وَعِظَامِي احْتَرَّتْ مِنَ الْحَرَارَةِ فِيَّ. 31صَارَ
عُودِي لِلنَّوْحِ، وَمِزْمَارِي لِصَوْتِ الْبَاكِينَ.
الأصحَاحُ الْحَادِي وَالثَّلاَثُونَ
1«عَهْدًا قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ،
فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ؟ 2وَمَا هِيَ قِسْمَةُ اللهِ مِنْ
فَوْقُ، وَنَصِيبُ الْقَدِيرِ مِنَ الأَعَالِي؟ 3أَلَيْسَ الْبَوَارُ
لِعَامِلِ الشَّرِّ، وَالنُّكْرُ لِفَاعِلِي الإِثْمِ؟ 4أَلَيْسَ هُوَ
يَنْظُرُ طُرُقِي، وَيُحْصِي جَمِيعَ خَطَوَاتِي؟ 5إِنْ كُنْتُ قَدْ
سَلَكْتُ مَعَ الْكَذِبِ، أَوْ أَسْرَعَتْ رِجْلِي إِلَى الْغِشِّ، 6لِيَزِنِّي
فِي مِيزَانِ الْحَقِّ، فَيَعْرِفَ اللهُ كَمَالِي. 7إِنْ حَادَتْ
خَطَوَاتِي عَنِ الطَّرِيقِ، وَذَهَبَ قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ، أَوْ لَصِقَ
عَيْبٌ بِكَفِّي، 8أَزْرَعْ وَغَيْرِي يَأْكُلْ، وَفُرُوعِي
تُسْتَأْصَلْ.
9«إِنْ غَوِيَ قَلْبِي عَلَى
امْرَأَةٍ، أَوْ كَمَنْتُ عَلَى بَابِ قَرِيبِي، 10فَلْتَطْحَنِ
امْرَأَتِي لآخَرَ، وَلْيَنْحَنِ عَلَيْهَا آخَرُونَ. 11لأَنَّ هذِهِ
رَذِيلَةٌ، وَهِيَ إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ. 12لأَنَّهَا نَارٌ
تَأْكُلُ حَتَّى إِلَى الْهَلاَكِ، وَتَسْتَأْصِلُ كُلَّ مَحْصُولِي.
13«إِنْ كُنْتُ رَفَضْتُ حَقَّ
عَبْدِي وَأَمَتِي فِي دَعْوَاهُمَا عَلَيَّ، 14فَمَاذَا كُنْتُ
أَصْنَعُ حِينَ يَقُومُ اللهُ؟ وَإِذَا افْتَقَدَ، فَبِمَاذَا أُجِيبُهُ؟ 15أَوَلَيْسَ
صَانِعِي فِي الْبَطْنِ صَانِعَهُ، وَقَدْ صَوَّرَنَا وَاحِدٌ فِي الرَّحِمِ؟ 16إِنْ
كُنْتُ مَنَعْتُ الْمَسَاكِينَ عَنْ مُرَادِهِمْ، أَوْ أَفْنَيْتُ عَيْنَيِ
الأَرْمَلَةِ، 17أَوْ أَكَلْتُ لُقْمَتِي وَحْدِي فَمَا أَكَلَ مِنْهَا
الْيَتِيمُ. 18بَلْ مُنْذُ صِبَايَ كَبِرَ عِنْدِي كَأَبٍ، وَمِنْ
بَطْنِ أُمِّي هَدَيْتُهَا. 19إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكًا لِعَدَمِ
اللِّبْسِ أَوْ فَقِيرًا بِلاَ كِسْوَةٍ، 20إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي
حَقَوَاهُ وَقَدِ اسْتَدْفَأَ بِجَزَّةِ غَنَمِي. 21إِنْ كُنْتُ قَدْ
هَزَزْتُ يَدِي عَلَى الْيَتِيمِ لَمَّا رَأَيْتُ عَوْنِي فِي الْبَابِ، 22فَلْتَسْقُطْ
عَضُدِي مِنْ كَتِفِي، وَلْتَنْكَسِرْ ذِرَاعِي مِنْ قَصَبَتِهَا، 23لأَنَّ
الْبَوَارَ مِنَ اللهِ رُعْبٌ عَلَيَّ، وَمِنْ جَلاَلِهِ لَمْ أَسْتَطِعْ.
24«إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ
الذَّهَبَ عَمْدَتِي، أَوْ قُلْتُ لِلإِبْرِيزِ: أَنْتَ مُتَّكَلِي. 25إِنْ
كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ إِذْ كَثُرَتْ ثَرْوَتِي وَلأَنَّ يَدِي وَجَدَتْ كَثِيرًا. 26إِنْ
كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى النُّورِ حِينَ ضَاءَ، أَوْ إِلَى الْقَمَرِ يَسِيرُ
بِالْبَهَاءِ، 27وَغَوِيَ قَلْبِي سِرًّا، وَلَثَمَ يَدِي فَمِي، 28فَهذَا
أَيْضًا إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ، لأَنِّي أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللهَ مِنْ
فَوْقُ.
29«إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ
بِبَلِيَّةِ مُبْغِضِي أَوْ شَمِتُّ حِينَ أَصَابَهُ سُوءٌ. 30بَلْ
لَمْ أَدَعْ حَنَكِي يُخْطِئُ فِي طَلَبِ نَفْسِهِ بِلَعْنَةٍ. 31إِنْ
كَانَ أَهْلُ خَيْمَتِي لَمْ يَقُولُوا: مَنْ يَأْتِي بِأَحَدٍ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ
طَعَامِهِ؟ 32غَرِيبٌ لَمْ يَبِتْ فِي الْخَارِجِ. فَتَحْتُ
لِلْمُسَافِرِ أَبْوَابِي. 33إِنْ كُنْتُ قَدْ كَتَمْتُ كَالنَّاسِ
ذَنْبِي لإِخْفَاءِ إِثْمِي فِي حِضْنِي. 34إِذْ رَهِبْتُ جُمْهُورًا
غَفِيرًا، وَرَوَّعَتْنِي إِهَانَةُ الْعَشَائِرِ، فَكَفَفْتُ وَلَمْ أَخْرُجْ
مِنَ الْبَابِ. 35مَنْ لِي بِمَنْ يَسْمَعُنِي؟ هُوَذَا إِمْضَائِي.
لِيُجِبْنِي الْقَدِيرُ. وَمَنْ لِي بِشَكْوَى كَتَبَهَا خَصْمِي، 36فَكُنْتُ
أَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِي. كُنْتُ أُعْصِبُهَا تَاجًا لِي. 37كُنْتُ
أُخْبِرُهُ بِعَدَدِ خَطَوَاتِي وَأَدْنُو مِنْهُ كَشَرِيفٍ. 38إِنْ
كَانَتْ أَرْضِي قَدْ صَرَخَتْ عَلَيَّ وَتَبَاكَتْ أَتْلاَمُهَا جَمِيعًا. 39إِنْ
كُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ غَلَّتَهَا بِلاَ فِضَّةٍ، أَوْ أَطْفَأْتُ أَنْفُسَ
أَصْحَابِهَا، 40فَعِوَضَ الْحِنْطَةِ لِيَنْبُتْ شَوْكٌ، وَبَدَلَ
الشَّعِيرِ زَوَانٌ».
تَمَّتْ أَقْوَالُ أَيُّوبَ.
الأصحَاحُ الثَّانِي وَالثَّلاَثُونَ
1فَكَفَّ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ
الثَّلاَثَةُ عَنْ مُجَاوَبَةِ أَيُّوبَ لِكَوْنِهِ بَارًّا فِي عَيْنَيْ
نَفْسِهِ.
2فَحَمِيَ غَضَبُ أَلِيهُوَ
بْنِ بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيِّ مِنْ عَشِيرَةِ رَامٍ. عَلَى أَيُّوبَ حَمِيَ
غَضَبُهُ لأنَّهُ حَسَبَ نَفْسَهُ أَبَرَّ مِنَ اللهِ. 3وَعَلَى
أَصْحَابِهِ الثَّلاَثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا جَوَابًا
وَاسْتَذْنَبُوا أَيُّوبَ. 4وَكَانَ أَلِيهُو قَدْ صَبَرَ عَلَى
أَيُّوبَ بِالْكَلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ أَيَّامًا. 5فَلَمَّا
رَأَى أَلِيهُو أَنَّهُ لاَ جَوَابَ فِي أَفْوَاهِ الرِّجَالِ الثَّلاَثَةِ حَمِيَ
غَضَبُهُ.
6فَأَجَابَ أَلِيهُو بْنُ
بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيُّ وَقَالَ: «أَنَا صَغِيرٌ فِي الأَيَّامِ وَأَنْتُمْ
شُيُوخٌ، لأَجْلِ ذلِكَ خِفْتُ وَخَشِيتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِيِ. 7قُلْتُ:
الأَيَّامُ تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ السِّنِينَِ تُظْهِرُ حِكْمَةً. 8وَلكِنَّ
فِي النَّاسِ رُوحًا، وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ تُعَقِّلُهُمْ. 9لَيْسَ
الْكَثِيرُو الأَيَّامِ حُكَمَاءَ، وَلاَ الشُّيُوخُ يَفْهَمُونَ الْحَقَّ. 10لِذلِكَ
قُلْتُ: اسْمَعُونِي. أَنَا أَيْضًا أُبْدِي رَأْيِيِ. 11هأَنَذَا قَدْ
صَبِرْتُ لِكَلاَمِكُمْ. أَصْغَيْتُ إِلَى حُجَجِكُمْ حَتَّى فَحَصْتُمُ
الأَقْوَالَ. 12فَتَأَمَّلْتُ فِيكُمْ وَإِذْ لَيْسَ مَنْ حَجَّ
أَيُّوبَ، وَلاَ جَوَابَ مِنْكُمْ لِكَلاَمِهِ. 13فَلاَ تَقُولُوا:
قَدْ وَجَدْنَا حِكْمَةً. اَللهُ يَغْلِبُهُ لاَ الإِنْسَانُ. 14فَإِنَّهُ
لَمْ يُوَجِّهْ إِلَيَّ كَلاَمَهُ وَلاَ أَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَا بِكَلاَمِكُمْ. 15تَحَيَّرُوا.
لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. انْتَزَعَ عَنْهُمُ الْكَلاَمُ. 16فَانْتَظَرْتُ
لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا. لأَنَّهُمْ وَقَفُوا، لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. 17فَأُجِيبُ
أَنَا أَيْضًا حِصَّتِي، وَأُبْدِي أَنَا أَيْضًا رَأْيِيِ. 18لأَنِّي
مَلآنٌ أَقْوَالاً. رُوحُ بَاطِنِي تُضَايِقُنِي. 19هُوَذَا بَطْنِي
كَخَمْرٍ لَمْ تُفْتَحْ. كَالزِّقَاقِ الْجَدِيدَةِ يَكَادُ يَنْشَقُّ. 20أَتَكَلَّمُ
فَأُفْرَجُ. أَفْتَحُ شَفَتَيَّ وَأُجِيبُ. 21لاَ أُحَابِيَنَّ وَجْهَ
رَجُل وَلاَ أَمْلُثُ إِنْسَانًا. 22لأَنِّي لاَ أَعْرِفُ الْمَلْثَ.
لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَأْخُذُنِي صَانِعِي.
الأصحَاحُ الثَّالِثُ وَالثَّلاَثُونَ
1«وَلكِنِ اسْمَعِ الآنَ يَا
أَيُّوبُ أَقْوَالِي، وَاصْغَ إِلَى كُلِّ كَلاَمِي. 2هأَنَذَا قَدْ
فَتَحْتُ فَمِي. لِسَانِي نَطَقَ فِي حَنَكِي. 3اِسْتِقَامَةُ قَلْبِي
كَلاَمِي، وَمَعْرِفَةُ شَفَتَيَّ هُمَا تَنْطِقَانِ بِهَا خَالِصَةً. 4رُوحُ
اللهِ صَنَعَنِي وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي. 5إِنِ اسْتَطَعْتَ
فَأَجِبْنِي. أَحْسِنِ الدَّعْوَى أَمَامِي. اِنْتَصِبْ. 6هأَنَذَا
حَسَبَ قَوْلِكَ عِوَضًا عَنِ اللهِ. أَنَا أَيْضًا مِنَ الطِّينِ تَقَرَّصْتُ. 7هُوَذَا
هَيْبَتِي لاَ تُرْهِبُكَ وَجَلاَلِي لاَ يَثْقُلُ عَلَيْكَ.
8«إِنَّكَ قد قُلْتَ في
مَسَامِعِي، وَصَوْتَ أَقْوَالِكَ سَمِعْتُ. 9قُلْتَ: أَنَا بَرِيءٌ
بِلاَ ذَنْبٍ. زَكِيٌّ أَنَا وَلاَ إِثْمَ لِي. 10هُوَذَا يَطْلُبُ
عَلَيَّ عِلَلَ عَدَاوَةٍ. يَحْسِبُنِي عَدُوًّا لَهُ. 11وَضَعَ
رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ. يُرَاقِبُ كُلَّ طُرُقِي.
12«هَا إِنَّكَ فِي هذَا لَمْ
تُصِبْ. أَنَا أُجِيبُكَ، لأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ. 13لِمَاذَا
تُخَاصِمُهُ؟ لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا. 14لكِنَّ
اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ. 15فِي
حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، فِي
النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. 16حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ
وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، 17لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ
عَمَلِهِ، وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ، 18لِيَمْنَعَ
نَفْسَهُ عَنِ الْحُفْرَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ الزَّوَالِ بِحَرْبَةِ الْمَوْتِ. 19أَيْضًا
يُؤَدَّبُ بِالْوَجَعِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَمُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ، 20فَتَكْرَهُ
حَيَاتُهُ خُبْزًا، وَنَفْسُهُ الطَّعَامَ الشَّهِيَّ. 21فَيَبْلَى
لَحْمُهُ عَنِ الْعَيَانِ، وَتَنْبَرِي عِظَامُهُ فَلاَ تُرَى، 22وَتَقْرُبُ
نَفْسُهُ إِلَى الْقَبْرِ، وَحَيَاتُهُ إِلَى الْمُمِيتِينَ. 23إِنْ
وُجِدَ عِنْدَهُ مُرْسَلٌ، وَسِيطٌ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ لِيُعْلِنَ لِلإِنْسَانِ
اسْتِقَامَتَهُ، 24يَتَرَاَءَفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: أُطْلِقُهُ عَنِ
الْهُبُوطِ إِلَى الْحُفْرَةِ، قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً. 25يَصِيرُ
لَحْمُهُ أَغَضَّ مِنْ لَحْمِ الصَّبِيِّ، وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ. 26يُصَلِّي
إِلَى اللهِ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ بِهُتَافٍ فَيَرُدُّ عَلَى
الإِنْسَانِ بِرَّهُ. 27يُغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ
أَخْطَأْتُ، وَعَوَّجْتُ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. 28فَدَى
نَفْسِي مِنَ الْعُبُورِ إِلَى الْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ النُّورَ.
29«هُوَذَا كُلُّ هذِهِ
يَفْعَلُهَا اللهُ مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثًا بِالإِنْسَانِ، 30لِيَرُدَّ
نَفْسَهُ مِنَ الْحُفْرَةِ، لِيَسْتَنِيرَ بِنُورِ الأَحْيَاءِ. 31فَاصْغَ
يَا أَيُّوبُ وَاسْتَمِعْ لِي. اُنْصُتْ فَأَنَا أَتَكَلَّمُ. 32إِنْ
كَانَ عِنْدَكَ كَلاَمٌ فَأَجِبْنِي. تَكَلَّمْ. فَإِنِّي أُرِيدُ تَبْرِيرَكَ. 33وَإِلاَّّ
فَاسْتَمِعْ أَنْتَ لِي. اُنْصُتْ فَأُعَلِّمَكَ الْحِكْمَةَ».
الأصحَاحُ الرَّابِعُ وَالثَّلاَثُونَ
1فَأَجَابَ أَلِيهُو وَقَالَ: 2«اسْمَعُوا
أَقْوَالِي أَيُّهَا الْحُكَمَاءُ، وَاصْغَوْا لِي أَيُّهَا الْعَارِفُونَ. 3لأَنَّ
الأُذُنَ تَمْتَحِنُ الأَقْوَالَ، كَمَا أَنَّ الْحَنَكَ يَذُوقُ طَعَامًا. 4لِنَمْتَحِنْ
لأَنْفُسِنَا الْحَقَّ، وَنَعْرِفْ بَيْنَ أَنْفُسِنَا مَا هُوَ طَيِّبٌ.
5«لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ:
تَبَرَّرْتُ، وَاللهُ نَزَعَ حَقِّي. 6عِنْدَ مُحَاكَمَتِي أُكَذَّبُ.
جُرْحِي عَدِيمُ الشِّفَاءِ مِنْ دُونِ ذَنْبٍ. 7فَأَيُّ إِنْسَانٍ
كَأَيُّوبَ يَشْرَبُ الْهُزْءَ كَالْمَاءِ، 8وَيَسِيرُ مُتَّحِدًا مَعَ
فَاعِلِي الإِثْمِ، وَذَاهِبًا مَعَ أَهْلِ الشَّرِّ؟ 9لأَنَّهُ قَالَ:
لاَ يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ بِكَوْنِهِ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللهِ.
10«لأَجْلِ ذلِكَ اسْمَعُوا لِي
يَا ذَوِي الأَلْبَابِ. حَاشَا ِللهِ مِنَ الشَّرِّ، وَلِلْقَدِيرِ مِنَ
الظُّلْمِ. 11لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُنِيلُ
الرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ. 12فَحَقًّا إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءًا،
وَالْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ. 13مَنْ وَكَّلَهُ بِالأَرْضِ،
وَمَنْ صَنَعَ الْمَسْكُونَةَ كُلَّهَا؟ 14إِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ
قَلْبَهُ، إِنْ جَمَعَ إِلَى نَفْسِهِ رُوحَهُ وَنَسَمَتَهُ، 15يُسَلِّمُ
الرُّوحَ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، وَيَعُودُ الإِنْسَانُ إِلَى التُّرَابِ. 16فَإِنْ
كَانَ لَكَ فَهْمٌ فَاسْمَعْ هذَا، وَاصْغَ إِلَى صَوْتِ كَلِمَاتِي. 17أَلَعَلَّ
مَنْ يُبْغِضُ الْحَقَّ يَتَسَلَّطُ، أَمِ الْبَارَّ الْكَبِيرَ تَسْتَذْنِبُ؟ 18أَيُقَالُ
لِلْمَلِكِ: يَا لَئِيمُ، وَلِلْنُدَبَاءِ: يَا أَشْرَارُ؟ 19الَّذِي
لاَ يُحَابِي بِوُجُوهِ الرُّؤَسَاءِ، وَلاَ يَعْتَبِرُ مُوسَعًا دُونَ فَقِيرٍ.
لأَنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ عَمَلُ يَدَيْهِ. 20بَغْتَةً يَمُوتُونَ وَفِي
نِصْفِ اللَّيْلِ. يَرْتَجُّ الشَّعْبُ وَيَزُولُونَ، وَيُنْزَعُ الأَعِزَّاءُ لاَ
بِيَدٍ. 21لأَنَّ عَيْنَيْهِ عَلَى طُرُقِ الإِنْسَانِ، وَهُوَ يَرَى
كُلَّ خَطَوَاتِهِ. 22لاَ ظَلاَمَ وَلاَ ظِلَّ مَوْتٍ حَيْثُ تَخْتَفِي
عُمَّالُ الإِثْمِ. 23لأَنَّهُ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانَ زَمَانًا
لِلدُّخُولِ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ اللهِ. 24يُحَطِّمُ الأَعِزَّاءَ
مِنْ دُونِ فَحْصٍ، وَيُقِيمُ آخَرِينَ مَكَانَهُمْ. 25لكِنَّهُ
يَعْرِفُ أَعْمَالَهُمْ، وَيُقَلِّبُهُمْ لَيْلاً فَيَنْسَحِقُونَ. 26لِكَوْنِهِمْ
أَشْرَارًا، يَصْفِقُهُمْ فِي مَرْأَى النَّاظِرِينَ. 27لأَنَّهُمُ
انْصَرَفُوا مِنْ وَرَائِهِ، وَكُلُّ طُرُقِهِ لَمْ يَتَأَمَّلُوهَا، 28حَتَّى
بَلَّغُوا إِلَيْهِ صُرَاخَ الْمِسْكِينِ، فَسَمِعَ زَعْقَةَ الْبَائِسِينَ. 29إِذَا
هُوَ سَكَّنَ، فَمَنْ يَشْغَبُ؟ وَإِذَا حَجَبَ وَجْهَهُ، فَمَنْ يَرَاهُ سَوَاءٌ
كَانَ عَلَى أُمَّةٍ أَوْ عَلَى إِنْسَانٍ؟ 30حَتَّى لاَ يَمْلِكَ
الْفَاجِرُ وَلاَ يَكُونَ شَرَكًا لِلشَّعْبِ.
31«وَلكِنْ هَلْ ِللهِ قَالَ:
احْتَمَلْتُ. لاَ أَعُودُ أُفْسِدُ؟ 32مَا لَمْ أُبْصِرْهُ فَأَرِنِيهِ
أَنْتَ. إِنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُ إِثْمًا فَلاَ أَعُودُ أَفْعَلُهُ. 33هَلْ
كَرَأْيِكَ يُجَازِيهِ، قَائِلاً: لأَنَّكَ رَفَضْتَ؟ فَأَنْتَ تَخْتَارُ لاَ
أَنَا، وَبِمَا تَعْرِفُهُ تَكَلَّمْ. 34ذَوُو الأَلْبَابِ يَقُولُونَ
لِي، بَلِ الرَّجُلُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَسْمَعُنِي يَقُولُ: 35إِنَّ
أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِلاَ مَعْرِفَةٍ، وَكَلاَمُهُ لَيْسَ بِتَعَقُّل. 36فَلَيْتَ
أَيُّوبَ كَانَ يُمْتَحَنُ إِلَى الْغَايَةِ مِنْ أَجْلِ أَجْوِبَتِهِ كَأَهْلِ
الإِثْمِ. 37لكِنَّهُ أَضَافَ إِلَى خَطِيَّتِهِ مَعْصِيَةً. يُصَفِّقُ
بَيْنَنَا، وَيُكْثِرُ كَلاَمَهُ عَلَى اللهِ».
الأصحَاحُ الْخَامِسُ وَالثَّلاَثُونَ
1فَأَجَابَ أَلِيهُو وَقَالَ: 2«أَتَحْسِبُ
هذَا حَقًّا؟ قُلْتَ: أَنَا أَبَرُّ مِنَ اللهِ. 3لأَنَّكَ قُلْتَ:
مَاذَا يُفِيدُكَ؟ بِمَاذَا أَنْتَفِعُ أَكْثَرَ مِنْ خَطِيَّتِي؟ 4أَنَا
أَرُدُّ عَلَيْكَ كَلاَمًا، وَعَلَى أَصْحَابِكَ مَعَكَ. 5اُنْظُرْ
إِلَى السَّمَاوَاتِ وَأَبْصِرْ، وَلاَحِظِ الْغَمَامَ. إِنَّهَا أَعْلَى مِنْكَ. 6إِنْ
أَخْطَأْتَ فَمَاذَا فَعَلْتَ بِهِ؟ وَإِنْ كَثَّرْتَ مَعَاصِيَكَ فَمَاذَا
عَمِلْتَ لَهُ؟ 7إِنْ كُنْتَ بَارًّا فَمَاذَا أَعْطَيْتَهُ؟ أَوْ
مَاذَا يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِكَ؟ 8لِرَجُل مِثْلِكَ شَرُّكَ، وَلابْنِ
آدَمٍ بِرُّكَ.
9«مِنْ كَثْرَةِ الْمَظَالِمِ
يَصْرُخُونَ. يَسْتَغِيثُونَ مِنْ ذِرَاعِ الأَعِزَّاءِ. 10وَلَمْ
يَقُولُوا: أَيْنَ اللهُ صَانِعِي، مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ، 11الَّذِي
يُعَلِّمُنَا أَكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ الأَرْضِ، وَيَجْعَلُنَا أَحْكَمَ مِنْ
طُيُورِ السَّمَاءِ؟ 12ثَمَّ يَصْرُخُونَ مِنْ كِبْرِيَاءِ الأَشْرَارِ
وَلاَ يَسْتَجِيبُ. 13وَلكِنَّ اللهَ لاَ يَسْمَعُ كَذِبًا،
وَالْقَدِيرُ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ. 14فَإِذَا قُلْتَ إِنَّكَ لَسْتَ
تَرَاهُ، فَالدَّعْوَى قُدَّامَهُ، فَاصْبِرْ لَهُ. 15وَأَمَّا الآنَ
فَلأَنَّ غَضَبَهُ لاَ يُطَالِبُ، وَلاَ يُبَالِي بِكَثْرَةِ الزَّلاَّّتِ، 16فَغَرَ
أَيُّوبُ فَاهُ بِالْبَاطِلِ، وَكَبَّرَ الْكَلاَمَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ».
الأصحَاحُ السَّادِسُ وَالثَّلاَثُونَ
1وَعَادَ أَلِيهُو فَقَالَ: 2«اصْبِرْ
عَلَيَّ قَلِيلاً، فَأُبْدِيَ لَكَ أَنَّهُ بَعْدُ لأَجْلِ اللهِ كَلاَمٌ. 3أَحْمِلُ
مَعْرِفَتِي مِنْ بَعِيدٍ، وَأَنْسُبُ بِرًّا لِصَانِعِي. 4حَقًّا لاَ
يَكْذِبُ كَلاَمِي. صَحِيحُ الْمَعْرِفَةِ عِنْدَكَ.
5«هُوَذَا اللهُ عَزِيزٌ،
وَلكِنَّهُ لاَ يَرْذُلُ أَحَدًا. عَزِيزُ قُدْرَةِ الْقَلْبِ. 6لاَ
يُحْيي الشِّرِّيرَ، بَلْ يُجْرِي قَضَاءَ الْبَائِسِينَ. 7لاَ
يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الْبَارِّ، بَلْ مَعَ الْمُلُوكِ يُجْلِسُهُمْ عَلَى
الْكُرْسِيِّ أَبَدًا، فَيَرْتَفِعُونَ. 8إِنْ أُوثِقُوا بِالْقُيُودِ،
إِنْ أُخِذُوا فِي حِبَالَهِ الذُّلِّ، 9فَيُظْهِرُ لَهُمْ
أَفْعَالَهُمْ وَمَعَاصِيَهُمْ، لأَنَّهُمْ تَجَبَّرُوا، 10وَيَفْتَحُ
آذَانَهُمْ لِلإِنْذَارِ، وَيَأْمُرُ بِأَنْ يَرْجِعُوا عَنِ الإِثْمِ. 11إِنْ
سَمِعُوا وَأَطَاعُوا قَضَوْا أَيَّامَهُمْ بِالْخَيْرِ وَسِنِيهِمْ بِالنِّعَمِ. 12وَإِنْ
لَمْ يَسْمَعُوا، فَبِحَرْبَةِ الْمَوْتِ يَزُولُونَ، وَيَمُوتُونَ بِعَدَمِ
الْمَعْرِفَةِ. 13أَمَّا فُجَّارُ الْقَلْبِ فَيَذْخَرُونَ غَضَبًا.
لاَ يَسْتَغِيثُونَ إِذَا هُوَ قَيَّدَهُمْ. 14تَمُوتُ نَفْسُهُمْ فِي
الصِّبَا وَحَيَاتُهُمْ بَيْنَ الْمَأْبُونِينَ. 15يُنَجِّي الْبَائِسَ
فِي ذِلِّهِ، وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ فِي الضِّيقِ.
16«وَأَيْضًا يَقُودُكَ مِنْ
وَجْهِ الضِّيقِ إِلَى رَحْبٍ لاَ حَصْرَ فِيهِ، وَيَمْلأُ مَؤُونَةَ مَائِدَتِكَ
دُهْنًا. 17حُجَّةَ الشِّرِّيرِ أَكْمَلْتَ، فَالْحُجَّةُ وَالْقَضَاءُ
يُمْسِكَانِكَ. 18عِنْدَ غَضَبِهِ لَعَلَّهُ يَقُودُكَ بِصَفْقَةٍ.
فَكَثْرَةُ الْفِدْيَةِ لاَ تَفُكُّكَ. 19هَلْ يَعْتَبِرُ غِنَاكَ؟ لاَ
التِّبْرَ وَلاَ جَمِيعَ قُوَى الثَّرْوَةِ! 20لاَ تَشْتَاقُ إِلَى
اللَّيْلِ الَّذِي يَرْفَعُ شُعُوبًا مِنْ مَوَاضِعِهِمْ. 21اِحْذَرْ.
لاَ تَلْتَفِتْ إِلَى الإِثْمِ لأَنَّكَ اخْتَرْتَ هذَا عَلَى الذِّلِّ.
22«هُوَذَا اللهُ يَتَعَالَى
بِقُدْرَتِهِ. مَنْ مِثْلُهُ مُعَلِّمًا؟ 23مَنْ فَرَضَ عَلَيْهِ
طَرِيقَهُ، أَوْ مَنْ يَقُولُ لَهُ: قَدْ فَعَلْتَ شَرًّا؟ 24اُذْكُرْ
أَنْ تُعَظِّمَ عَمَلَهُ الَّذِي يُغَنِّي بِهِ النَّاسُ. 25كُلُّ
إِنْسَانٍ يُبْصِرُ بِهِ. النَّاسُ يَنْظُرُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ. 26هُوَذَا
اللهُ عَظِيمٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لاَ يُفْحَصُ. 27لأَنَّهُ
يَجْذُبُ قِطَارَ الْمَاءِ. تَسُحُّ مَطَرًا مِنْ ضَبَابِهَا 28الَّذِي
تَهْطِلُهُ السُّحُبُ وَتَقْطُرُهُ عَلَى أُنَاسٍ كَثِيرِينَ. 29فَهَلْ
يُعَلِّلُ أَحَدٌ عَنْ شَقِّ الْغَيْمِ أَوْ قَصِيفِ مِظَلَّتِهِ؟ 30هُوَذَا
بَسَطَ نُورَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ يَتَغَطَّى بِأُصُولِ الْيَمِّ. 31لأَنَّهُ
بِهذِهِ يَدِينُ الشُّعُوبَ، وَيَرْزِقُ الْقُوتَ بِكَثْرَةٍ. 32يُغَطِّي
كَفَّيْهِ بِالنُّورِ، وَيَأْمُرُهُ عَلَى الْعَدُوِّ. 33يُخْبِرُ بِهِ
رَعْدُه، الْمَوَاشِيَ أَيْضًا بِصُعُودِهِ.
الأصحَاحُ السَّابعُ وَالثَّلاَثُونَ
1«فَلِهذَا اضْطَرَبَ قَلْبِي
وَخَفَقَ مِنْ مَوْضِعِهِ. 2اسْمَعُوا سَمَاعًا رَعْدَ صَوْتِهِ
وَالزَّمْزَمَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ فِيهِ. 3تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ
يُطْلِقُهَا، كَذَا نُورُهُ إِلَى أَكْنَافِ الأَرْضِ. 4بَعْدُ
يُزَمْجِرُ صَوْتٌ، يُرْعِدُ بِصَوْتِ جَلاَلِهِ، وَلاَ يُؤَخِّرُهَا إِذْ سُمِعَ
صَوْتُهُ. 5اَللهُ يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ عَجَبًا. يَصْنَعُ عَظَائِمَ
لاَ نُدْرِكُهَا. 6لأَنَّهُ يَقُولُ لِلثَّلْجِ: اسْقُطْ عَلَى
الأَرْضِ. كَذَا لِوَابِلِ الْمَطَرِ، وَابِلِ أَمْطَارِ عِزِّهِ. 7يَخْتِمُ
عَلَى يَدِ كُلِّ إِنْسَانٍ، لِيَعْلَمَ كُلُّ النَّاسِ خَالِقَهُمْ، 8فَتَدْخُلُ
الْحَيَوَانَاتُ الْمَآوِيَ، وَتَسْتَقِرُّ فِي أَوْجِرَتِهَا. 9مِنَ
الْجَنُوبِ تَأْتِي الأَعْصَارُ، وَمِنَ الشَّمَالِ الْبَرَدُ. 10مِنْ
نَسَمَةِ اللهِ يُجْعَلُ الْجَمْدُ، وَتَتَضَيَّقُ سِعَةُ الْمِيَاهِ. 11أَيْضًا
بِرِيٍّ يَطْرَحُ الْغَيْمَ. يُبَدِّدُ سَحَابَ نُورِهِ. 12فَهِيَ
مُدَوَّرَةٌ مُتَقَلِّبَةٌ بِإِدَارَتِهِ، لِتَفْعَلَ كُلَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ
عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ الْمَسْكُونَةِ، 13سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّأْدِيبِ
أَوْ لأَرْضِهِ أَوْ لِلرَّحْمَةِ يُرْسِلُهَا.
14«اُنْصُتْ إِلَى هذَا يَا
أَيُّوبُ، وَقِفْ وَتَأَمَّلْ بِعَجَائِبِ اللهِ. 15أَتُدْرِكُ
انْتِبَاهَ اللهِ إِلَيْهَا، أَوْ إِضَاءَةَ نُورِ سَحَابِهِ؟ 16أَتُدْرِكُ
مُوازَنَةَ السَّحَابِ، مُعْجِزَاتِ الْكَامِلِ الْمَعَارِفِ؟ 17كَيْفَ
تَسْخُنُ ثِيَابُكَ إِذَا سَكَنَتِ الأَرْضُ مِنْ رِيحِ الْجَنُوبِ؟ 18هَلْ
صَفَّحْتَ مَعَهُ الْجَلَدَ الْمُمَكَّنَ كَالْمِرْآةِ الْمَسْبُوكَةِ؟ 19عَلِّمْنَا
مَا نَقُولُ لَهُ. إِنَّنَا لاَ نُحْسِنُ الْكَلاَمَ بِسَبَبِ الظُّلْمَةِ! 20هَلْ
يُقَصُّ عَلَيْهِ كَلاَمِي إِذَا تَكَلَّمْتُ؟ هَلْ يَنْطِقُ الإِنْسَانُ لِكَيْ
يَبْتَلِعَ؟ 21وَالآنَ لاَ يُرَى النُّورُ الْبَاهِرُ الَّذِي هُوَ فِي
الْجَلَدِ، ثُمَّ تَعْبُرُ الرِّيحُ فَتُنَقِّيهِ. 22مِنَ الشَّمَالِ
يَأْتِي ذَهَبٌ. عِنْدَ اللهِ جَلاَلٌ مُرْهِبٌ. 23الْقَدِيرُ لاَ
نُدْرِكُهُ. عَظِيمُ الْقُوَّةِ وَالْحَقِّ، وَكَثِيرُ الْبِرِّ. لاَ يُجَاوِبُ. 24لِذلِكَ
فَلْتَخَفْهُ النَّاسُ. كُلَّ حَكِيمِ الْقَلْبِ لاَ يُرَاعِي».
الأصحَاحُ الثَّامِنُ وَالثَّلاَثُونَ
1فَأَجَابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ
مِنَ الْعَاصِفَة وَقَالَ: 2«مَنْ هذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ
بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ 3اُشْدُدِ الآنَ حَقْوَيْكَ كَرَجُل،
فَإِنِّي أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. 4أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ
الأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ. 5مَنْ وَضَعَ
قِيَاسَهَا؟ لأَنَّكَ تَعْلَمُ! أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا مِطْمَارًا؟ 6عَلَى
أَيِّ شَيْءٍ قَرَّتْ قَوَاعِدُهَا؟ أَوْ مَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا، 7عِنْدَمَا
تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعًا، وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللهِ؟
8«وَمَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ
بِمَصَارِيعَ حِينَ انْدَفَقَ فَخَرَجَ مِنَ الرَّحِمِ. 9إِذْ جَعَلْتُ
السَّحَابَ لِبَاسَهُ، وَالضَّبَابَ قِمَاطَهُ، 10وَجَزَمْتُ عَلَيْهِ
حَدِّي، وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ وَمَصَارِيعَ، 11وَقُلْتُ: إِلَى
هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى، وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟
12«هَلْ فِي أَيَّامِكَ
أَمَرْتَ الصُّبْحَ؟ هَلْ عَرَّفْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ 13لِيُمْسِكَ
بِأَكْنَافِ الأَرْضِ، فَيُنْفَضَ الأَشْرَارُ مِنْهَا؟ 14تَتَحَوَّلُ
كَطِينِ الْخَاتِمِ، وَتَقِفُ كَأَنَّهَا لاَبِسَةٌ. 15وَيُمْنَعُ عَنِ
الأَشْرَارِ نُورُهُمْ، وَتَنْكَسِرُ الذِّرَاعُ الْمُرْتَفِعَةُ.
16«هَلِ انْتَهَيْتَ إِلَى
يَنَابِيعِ الْبَحْرِ، أَوْ فِي مَقْصُورَةِ الْغَمْرِ تَمَشَّيْتَ؟ 17هَلِ
انْكَشَفَتْ لَكَ أَبْوَابُ الْمَوْتِ، أَوْ عَايَنْتَ أَبْوَابَ ظِلِّ الْمَوْتِ؟
18هَلْ أَدْرَكْتَ عَرْضَ الأَرْضِ؟ أَخْبِرْ إِنْ عَرَفْتَهُ كُلَّهُ.
19«أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى
حَيْثُ يَسْكُنُ النُّورُ؟ وَالظُّلْمَةُ أَيْنَ مَقَامُهَا، 20حَتَّى
تَأْخُذَهَا إِلَى تُخُومِهَا وَتَعْرِفَ سُبُلَ بَيْتِهَا؟ 21تَعْلَمُ،
لأَنَّكَ حِينَئِذٍ كُنْتَ قَدْ وُلِدْتَ، وَعَدَدُ أَيَّامِكَ كَثِيرٌ!
22«أَدَخَلْتَ إِلَى خَزَائِنِ
الثَّلْجِ، أَمْ أَبْصَرْتَ مَخَازِنَ الْبَرَدِ، 23الَّتِي
أَبْقَيْتَهَا لِوَقْتِ الضَّرِّ، لِيَوْمِ الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ؟ 24فِي
أَيِّ طَرِيق يَتَوَزَّعُ النُّورُ، وَتَتَفَرَّقُ الشَّرْقِيَّةُ عَلَى الأَرْضِ؟
25مَنْ فَرَّعَ قَنَوَاتٍ لِلْهَطْلِ، وَطَرِيقًا لِلصَّوَاعِقِ، 26لِيَمْطُرَ
عَلَى أَرْضٍ حَيْثُ لاَ إِنْسَانَ، عَلَى قَفْرٍ لاَ أَحَدَ فِيهِ، 27لِيُرْوِيَ
الْبَلْقَعَ وَالْخَلاَءَ وَيُنْبِتَ مَخْرَجَ الْعُشْبِ؟
28«هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ؟
وَمَنْ وَلَدَ مَآجِلَ الطَّلِّ؟ 29مِنْ بَطْنِ مَنْ خَرَجَ الْجَمَدُ؟
صَقِيعُ السَّمَاءِ، مَنْ وَلَدَهُ؟ 30كَحَجَرٍ صَارَتِ الْمِيَاهُ.
اخْتَبَأَتْ. وَتَلَكَّدَ وَجْهُ الْغَمْرِ.
31«هَلْ تَرْبِطُ أَنْتَ عُقْدَ
الثُّرَيَّا، أَوْ تَفُكُّ رُبُطَ الْجَبَّارِ؟ 32أَتُخْرِجُ
الْمَنَازِلَ فِي أَوْقَاتِهَا وَتَهْدِي النَّعْشَ مَعَ بَنَاتِهِ؟ 33هَلْ
عَرَفْتَ سُنَنَ السَّمَاوَاتِ، أَوْ جَعَلْتَ تَسَلُّطَهَا عَلَى الأَرْضِ؟ 34أَتَرْفَعُ
صَوْتَكَ إِلَى السُّحُبِ فَيُغَطِّيَكَ فَيْضُ الْمِيَاهِ؟ 35أَتُرْسِلُ
الْبُرُوقَ فَتَذْهَبَ وَتَقُولَ لَكَ: هَا نَحْنُ؟ 36مَنْ وَضَعَ فِي
الطَّخَاءِ حِكْمَةً، أَوْ مَنْ أَظْهَرَ فِي الشُّهُبِ فِطْنَةً؟ 37مَنْ
يُحْصِي الْغُيُومَ بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ يَسْكُبُ أَزْقَاقَ السَّمَاوَاتِ، 38إِذْ
يَنْسَبِكُ التُّرَابُ سَبْكًا وَيَتَلاَصَقُ الْمَدَرُ؟
39«أَتَصْطَادُ لِلَّبْوَةِ
فَرِيسَةً، أَمْ تُشْبعُ نَفْسَ الأَشْبَالِ، 40حِينَ تَجْرَمِزُّ فِي
عَرِيسِهَا وَتَجْلِسُ فِي عِيصِهَا لِلْكُمُونِ؟ 41مَنْ يُهَيِّئُ
لِلْغُرَابِ صَيْدَهُ، إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ إِلَى اللهِ، وَتَتَرَدَّدُ
لِعَدَمِ الْقُوتِ؟
الأصحَاحُ التَّاسِعُ وَالثَّلاَثُونَ
1«أَتَعْرِفُ وَقْتَ وَلاَدَةِ
وُعُولِ الصُّخُورِ، أَوْ تُلاَحِظُ مَخَاضَ الأَيَائِلِ؟ 2أَتَحْسُبُ
الشُّهُورَ الَّتِي تُكَمِّلُهَا، أَوْ تَعْلَمُ مِيقَاتَ وَلاَدَتِهِنَّ؟ 3يَبْرُكْنَ
وَيَضَعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ. يَدْفَعْنَ أَوْجَاعَهُنَّ. 4تَبْلُغُ
أَوْلاَدُهُنَّ. تَرْبُو فِي الْبَرِّيَّةِ. تَخْرُجُ وَلاَ تَعُودُ إِلَيْهِنَّ.
5«مَنْ سَرَّحَ الْفَرَاءَ
حُرًّا، وَمَنْ فَكَّ رُبُطَ حِمَارِ الْوَحْشِ؟ 6الَّذِي جَعَلْتُ
الْبَرِّيَّةَ بَيْتَهُ وَالسِّبَاخَ مَسْكَنَهُ. 7يَضْحَكُ عَلَى
جُمْهُورِ الْقَرْيَةِ. لاَ يَسْمَعُ زَجْرَ السَّائِقِ. 8دَائِرَةُ
الْجِبَالِ مَرْعَاهُ، وَعَلَى كُلِّ خُضْرَةٍ يُفَتِّشُ.
9«أَيَرْضَى الثَّوْرُ
الْوَحْشِيُّ أَنْ يَخْدُمَكَ، أَمْ يَبِيتُ عِنْدَ مِعْلَفِكَ؟ 10أَتَرْبِطُ
الثَّوْرَ الْوَحْشِيَّ بِرِبَاطِهِ فِي التَّلْمِ، أَمْ يُمَهِّدُ الأَوْدِيَةَ
وَرَاءَكَ؟ 11أَتَثِقُ بِهِ لأَنَّ قُوَّتَهُ عَظِيمَةٌ، أَوْ تَتْرُكُ
لَهُ تَعَبَكَ؟ 12أَتَأْتَمِنُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِزَرْعِكَ
وَيُجْمَعُ إِلَى بَيْدَرِكَ؟
13«جَنَاحُ النَّعَامَةِ
يُرَفْرِفُ. أَفَهُوَ مَنْكِبٌ رَؤُوفٌ، أَمْ رِيشٌ؟ 14لأَنَّهَا
تَتْرُكُ بَيْضَهَا وَتُحْمِيهِ فِي التُّرَابِ، 15وَتَنْسَى أَنَّ
الرِّجْلَ تَضْغَطُهُ، أَوْ حَيَوَانَ الْبَرِّ يَدُوسُهُ. 16تَقْسُو
عَلَى أَوْلاَدِهَا كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا. بَاطِلٌ تَعَبُهَا بِلاَ أَسَفٍ. 17لأَنَّ
اللهَ قَدْ أَنْسَاهَا الْحِكْمَةَ، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَهْمًا. 18عِنْدَمَا
تُحْوِذُ نَفْسَهَا إِلَى الْعَلاَءِ، تَضْحَكُ عَلَى الْفَرَسِ وَعَلَى
رَاكِبِهِ.
19«هَلْ أَنْتَ تُعْطِي
الْفَرَسَ قُوَّتَهُ وَتَكْسُو عُنُقَهُ عُرْفًا؟ 20أَتُوثِبُهُ
كَجَرَادَةٍ؟ نَفْخُ مِنْخَرِهِ مُرْعِبٌ. 21يَبْحَثُ فِي الْوَادِي
وَيَنْفِزُ بِبَأْسٍ. يَخْرُجُ لِلِقَاءِ الأَسْلِحَةِ. 22يَضْحَكُ
عَلَى الْخَوْفِ وَلاَ يَرْتَاعُ، وَلاَ يَرْجعُ عَنِ السَّيْفِ. 23عَلَيْهِ
تَصِلُّ السِّهَامُ وَسِنَانُ الرُّمْحِ وَالْمِزْرَاقِ. 24فِي
وَثْبِهِ وَرُجْزِهِ يَلْتَهِمُ الأَرْضَ، وَلاَ يُؤْمِنُ أَنَّهُ صَوْتُ
الْبُوقِ. 25عِنْدَ نَفْخِ الْبُوقِ يَقُولُ: هَهْ! وَمِنْ بَعِيدٍ
يَسْتَرْوِحُ الْقِتَالَ صِيَاحَ الْقُوَّادِ وَالْهُتَافَ.
26«أَمِنْ فَهْمِكَ يَسْتَقِلُّ
الْعُقَابُ وَيَنْشُرُ جَنَاحَيْهِ نَحْوَ الْجَنُوبِ؟ 27أَوْ
بِأَمْرِكَ يُحَلِّقُ النَّسْرُ وَيُعَلِّي وَكْرَهُ؟ 28يَسْكُنُ
الصَّخْرَ وَيَبِيتُ عَلَى سِنِّ الصَّخْرِ وَالْمَعْقَلِ. 29مِنْ
هُنَاكَ يَتَحَسَّسُ قُوتَهُ. تُبْصِرُهُ عَيْنَاهُ مِنْ بَعِيدٍ. 30فِرَاخُهُ
تَحْسُو الدَّمَ، وَحَيْثُمَا تَكُنِ الْقَتْلَى فَهُنَاكَ هُوَ».
الأصحَاحُ ألأَرْبَعُونَ
1فَأَجَابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ
فَقَالَ: 2«هَلْ يُخَاصِمُ الْقَدِيرَ مُوَبِّخُهُ، أَمِ الْمُحَاجُّ
اللهَ يُجَاوِبُهُ؟».
3فَأَجَابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ
وَقَالَ: 4«هَا أَنَا حَقِيرٌ، فَمَاذَا أُجَاوِبُكَ؟ وَضَعْتُ يَدِي
عَلَى فَمِي. 5مَرَّةً تَكَلَّمْتُ فَلاَ أُجِيبُ، وَمَرَّتَيْنِ فَلاَ
أَزِيدُ».
6فَأَجَابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ
مِنَ الْعَاصِفَةِ فَقَالَ: 7«الآنَ شُدَّ حَقْوَيْكَ كَرَجُل.
أَسْأَلُكَ فَتُعْلِمُنِي. 8لَعَلَّكَ تُنَاقِضُ حُكْمِي،
تَسْتَذْنِبُنِي لِكَيْ تَتَبَرَّرَ أَنْتَ؟ 9هَلْ لَكَ ذِرَاعٌ كَمَا
ِللهِ، وَبِصَوْتٍ مِثْلِ صَوْتِهِ تُرْعِدُ؟ 10تَزَيَّنِ الآنَ
بِالْجَلاَلِ وَالْعِزِّ، وَالْبَسِ الْمَجْدَ وَالْبَهَاءَ. 11فَرِّقْ
فَيْضَ غَضَبِكَ، وَانْظُرْ كُلَّ مُتَعَظِّمٍ وَاخْفِضْهُ. 12اُنْظُرْ
إِلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَذَلِّلْهُ، وَدُسِ الأَشْرَارَ فِي مَكَانِهِمِ. 13اطْمِرْهُمْ
فِي التُّرَابِ مَعًا، وَاحْبِسْ وُجُوهَهُمْ فِي الظَّلاَمِ. 14فَأَنَا
أَيْضًا أَحْمَدُكَ لأَنَّ يَمِينَكَ تُخَلِّصُكَ.
15«هُوَذَا بَهِيمُوثُ الَّذِي
صَنَعْتُهُ مَعَكَ يَأْكُلُ الْعُشْبَ مِثْلَ الْبَقَرِ. 16هَا هِيَ
قُوَّتُهُ فِي مَتْنَيْهِ، وَشِدَّتُهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ. 17يَخْفِضُ
ذَنَبَهُ كَأَرْزَةٍ. عُرُوقُ فَخِذَيْهِ مَضْفُورَةٌ. 18عِظَامُهُ
أَنَابِيبُ نُحَاسٍ، جِرْمُهَا حَدِيدٌ مَمْطُولٌ. 19هُوَ أَوَّلُ
أَعْمَالِ اللهِ. الَّذِي صَنَعَهُ أَعْطَاهُ سَيْفَهُ. 20لأَنَّ
الْجِبَالَ تُخْرِجُ لَهُ مَرْعًى، وَجَمِيعَ وُحُوشِ الْبَرِّ تَلْعَبُ هُنَاكَ. 21تَحْتَ
السِّدْرَاتِ يَضْطَجعُ فِي سِتْرِ الْقَصَبِ وَالْغَمِقَةِ. 22تُظَلِّلُهُ
السِّدْرَاتُ بِظِلِّهَا. يُحِيطُ بِهِ صَفْصَافُ السَّوَاقِي. 23هُوَذَا
النَّهْرُ يَفِيضُ فَلاَ يَفِرُّ هُوَ. يَطْمَئِنُّ وَلَوِ انْدَفَقَ الأُرْدُنُّ
فِي فَمِهِ. 24هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ أَمَامِهِ؟ هَلْ يُثْقَبُ أَنْفُهُ
بِخِزَامَةٍ؟
الأصحَاحُ الْحَادِي والأَرْبَعُونَ
1«أَتَصْطَادُ لَوِيَاثَانَ
بِشِصٍّ، أَوْ تَضْغَطُ لِسَانَهُ بِحَبْل؟ 2أَتَضَعُ أَسَلَةً فِي
خَطْمِهِ، أَمْ تَثْقُبُ فَكَّهُ بِخِزَامَةٍ؟ 3أَيُكْثِرُ
التَّضَرُّعَاتِ إِلَيْكَ، أَمْ يَتَكَلَّمُ مَعَكَ بِاللِّينِ؟ 4هَلْ
يَقْطَعُ مَعَكَ عَهْدًا فَتَتَّخِذَهُ عَبْدًا مُؤَبَّدًا؟ 5أَتَلْعَبُ
مَعَهُ كَالْعُصْفُورِ، أَوْ تَرْبِطُهُ لأَجْلِ فَتَيَاتِكَ؟ 6هَلْ
تَحْفِرُ جَمَاعَةُ الصَّيَّادِينَ لأَجْلِهِ حُفْرَةً، أَوْ يَقْسِمُونَهُ بَيْنَ
الْكَنْعَانِيِّينَ؟ 7أَتَمْلأُ جِلْدَهُ حِرَابًا وَرَأْسَهُ
بِإِلاَلِ السَّمَكِ؟ 8ضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ. لاَ تَعُدْ تَذْكُرُ
الْقِتَالَ! 9هُوَذَا الرَّجَاءُ بِهِ كَاذِبٌ. أَلاَ يُكَبُّ أَيْضًا
بِرُؤْيَتِهِ؟ 10لَيْسَ مِنْ شُجَاعٍ يُوقِظُهُ، فَمَنْ يَقِفُ إِذًا
بِوَجْهِي؟ 11مَنْ تَقَدَّمَنِي فَأُوفِيَهُ؟ مَا تَحْتَ كُلِّ
السَّمَاوَاتِ هُوَ لِي.
12«لاَ أَسْكُتُ عَنْ
أَعْضَائِهِ، وَخَبَرِ قُوَّتِهِ وَبَهْجَةِ عُدَّتِهِ. 13مَنْ
يَكْشِفُ وَجْهَ لِبْسِهِ، وَمَنْ يَدْنُو مِنْ مَثْنَى لَجَمَتِهِ؟ 14مَنْ
يَفْتَحُ مِصْرَاعَيْ فَمِهِ؟ دَائِرَةُ أَسْنَانِهِ مُرْعِبَةٌ. 15فَخْرُهُ
مَجَانُّ مَانِعَةٌ مُحَكَّمَةٌ مَضْغُوطَةٌ بِخَاتِمٍ. 16الْوَاحِدُ
يَمَسُّ الآخَرَ، فَالرِّيحُ لاَ تَدْخُلُ بَيْنَهَا. 17كُلٌّ مِنْهَا
مُلْتَصِقٌ بِصَاحِبِهِ، مُتَلَكِّدَةً لاَ تَنْفَصِلُ. 18عِطَاسُهُ
يَبْعَثُ نُورًا، وَعَيْنَاهُ كَهُدُبِ الصُّبْحِ. 19مِنْ فَمِهِ
تَخْرُجُ مَصَابِيحُ. شَرَارُ نَارٍ تَتَطَايَرُ مِنْهُ. 20مِنْ
مِنْخَرَيْهِ يَخْرُجُ دُخَانٌ كَأَنَّهُ مِنْ قِدْرٍ مَنْفُوخٍ أَوْ مِنْ
مِرْجَل. 21نَفَسُهُ يُشْعِلُ جَمْرًا، وَلَهِيبٌ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ.
22فِي عُنُقِهِ تَبِيتُ الْقُوَّةُ، وَأَمَامَهُ يَدُوسُ الْهَوْلُ. 23مَطَاوِي
لَحْمِهِ مُتَلاَصِقَةٌ مَسْبُوكَةٌ عَلَيْهِ لاَ تَتَحَرَّكُ. 24قَلْبُهُ
صُلْبٌ كَالْحَجَرِ، وَقَاسٍ كَالرَّحَى. 25عِنْدَ نُهُوضِهِ تَفْزَعُ
الأَقْوِيَاءُ. مِنَ الْمَخَاوِفِ يَتِيهُونَ. 26سَيْفُ الَّذِي
يَلْحَقُهُ لاَ يَقُومُ، وَلاَ رُمْحٌ وَلاَ مِزْرَاقٌ وَلاَ دِرْعٌ. 27يَحْسِبُ
الْحَدِيدَ كَالتِّبْنِ، وَالنُّحَاسَ كَالْعُودِ النَّخِرِ. 28لاَ
يَسْتَفِزُّهُ نُبْلُ الْقَوْسِ. حِجَارَةُ الْمِقْلاَعِ تَرْجعُ عَنْهُ
كَالْقَشِّ. 29يَحْسِبُ الْمِقْمَعَةَ كَقَشٍّ، وَيَضْحَكُ عَلَى
اهْتِزَازِ الرُّمْحِ. 30تَحْتَهُ قُطَعُ خَزَفٍ حَادَّةٌ. يُمَدِّدُ
نَوْرَجًا عَلَى الطِّينِ. 31يَجْعَلُ الْعُمْقَ يَغْلِي كَالْقِدْرِ،
وَيَجْعَلُ الْبَحْرَ كَقِدْرِ عِطَارَةٍ. 32يُضِيءُ السَّبِيلُ
وَرَاءَهُ فَيُحْسَبُ اللُّجُّ أَشْيَبَ. 33لَيْسَ لَهُ فِي الأَرْضِ
نَظِيرٌ. صُنِعَ لِعَدَمِ الْخَوْفِ. 34يُشْرِفُ عَلَى كُلِّ مُتَعَال.
هُوَ مَلِكٌ عَلَى كُلِّ بَنِي الْكِبْرِيَاءِ».
الأصحَاحُ الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ
فَقَالَ: 2«قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ
يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. 3فَمَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْقَضَاءَ
بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ
فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. 4اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ.
أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. 5بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ،
وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. 6لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي
التُّرَابِ وَالرَّمَادِ».
7وَكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ
الرَّبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهذَا الْكَلاَمِ، أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لأَلِيفَازَ
التَّيْمَانِيِّ: «قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ،
لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. 8وَالآنَ
فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَاذْهَبُوا إِلَى
عَبْدِي أَيُّوبَ، وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي
أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أَصْنَعَ
مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ
كَعَبْدِي أَيُّوبَ». 9فَذَهَبَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ
الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ، وَفَعَلُوا كَمَا قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ.
وَرَفَعَ الرَّبُّ وَجْهَ أَيُّوبَ. 10وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ
أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا
كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفًا. 11فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ
أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزًا فِي
بَيْتِهِ، وَرَثَوْا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبَهُ
الرَّبُّ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ
وَاحِدٍ قُرْطًا مِنْ ذَهَبٍ. 12وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ
أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْغَنَمِ،
وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ الإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَأَلْفُ
أَتَانٍ. 13وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. 14وَسَمَّى
اسْمَ الأُولَى يَمِيمَةَ، وَاسْمَ الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَاسْمَ الثَّالِثَةِ
قَرْنَ هَفُّوكَ. 15وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ
أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ، وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثًا بَيْنَ
إِخْوَتِهِنَّ. 16وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ
سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال. 17ثُمَّ
مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ.
تعليقات
إرسال تعليق